درجات حرارة قياسية، يرافقها انقطاع للماء بشكل متواتر في أغلب مناطق الجمهورية ،حتى أننا انتقلنا من الحديث عن "الانقطاع العرضي" الذي تعود أسبابه إلى أعطال في شبكة إلى توزيع المياه، إلى "الانقطاع المنتظم" الذي نصل فيه الى مرحلة الحديث عن "خرائط العطش" في "تونس الخضراء". لأنّ الأرقام لا تكذب وهي حجة دامغة غير قابلة للتأويل والتشكيك، نقول ان الهياكل والمنظمات المختصة في هذا المجال، تتحدث عن أكثر من 300 ألف مواطن تونسي يعيش تحت خط " الفقر المائي". هؤلاء تزداد حياتهم تعقيدا وصعوبة خلال فصل الصيف حيث تمتد فترات قطع الماء لأيام قد تتجاوز الاسبوع في الشهر الواحد. ربما تحيلنا فكرة الهجرة بسبب ندرة المياه إلى عصور غابرة، أين كانت القبائل رُحّلا بحثا عن منابع المياه، لكن هذا المشهد الذي قرأناه في كتب التاريخ ووثقت له أعمال سينمائية، يُعاد حرفيا في تونس سنة 2022 ،إذ تتحدث بعض المنظمات عن اعتبار نقص المياه، احد أسباب الهجرة الداخلية للتونسيين الذين يهجرون قراهم ومدنهم باتجاه المدن التي يتوفر فيها الماء. المرصد التونسي للمياه ،ينشر بصفة شهرية إحصائيات حول التبليغات المتعلّقة بمشاكل التزود بالماء التي يواجهها المواطنون، ووفق آخر نشرية له صادرة في شهر جوان 2022، فقد بلغ المرصد 300 تبليغ مواطنيّ عن مشكل متعلق بالحق في الماء من بينها 218 تبليغًا متعلّقًا بانقطاع الماء. القراءة الدقيقة في هذه الأرقام، تجعل ولاية صفاقس تتصدر خارطة العطش ب42 تبليغًا تليها ولاية قفصة ب36 تبليغًا، ثم ولاية تطاوين ب 24 تبليغًا. كما بلغ المرصد1341 تبليغًا يتعلّق بمشاكل مياه على كامل تراب الجمهورية في 2022. مايثير الاستغراب في هذه الأرقام، هو وجود أغلب المناطق التي تعاني العطش قرب السدود التي تزود كل ولايات الجمهورية بالماء، وما يثير سخط متساكني هذه المناطق اكثر هو عدم ربط هذه الأحياء الموجودة في الكاف وجندوبة وسليانة وباجة.. بشبكات التزود بالمياه ،وهو ما يجعل من الدواب الوسيلة الوحيدة لنقل المياه. كل هذه المعطيات تضاف إلى أرقام أخرى تبدو أشد خطورة إذ يتم تحديد نصيب الفرد الواحد من الماء في تونس بأقل من 400 متر مكعب في السنة، وهي نسبة يرجح بعض الخبراء نقصانها في السنوات القادمة إلى 350 متراً مكعباً سنوياً، أي أقل ب50 في المئة من الكمية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، والمتراوحة بين 750 و900 متراً مكعباً سنوياً. تشخيص الوضعية التي تعيشها تونس ،يختلف من هيكل لآخر لكن كل النظريات تقريبا تتفق على أن مناخ تونس جاف وكميات الأمطار المسجلة ضعيفة، ففي الجنوب تكون أقل من 100 ملمتر، بينما تصل إلى 1،500 ملمتر في الشمال، خاصةً في الشمال الغربي، ما يعني أن إجمالي الموارد المائية السطحية لتونس تُقدَّر بنحو 2.7 ملايين متر مكعب، فيما تناهز المياه الجوفية 2.1 مليون متر مكعب. يضاف هذا إلى ضعف صيانة شبكة التزود بالماء والتبذير واستعمال جزء هام من المياه في ري منتوجات فلاحية تستهلك الكثير من الماء ويتم تصديرها للخارج.. معطيات كثيرة و متراكمة منذ سنوات لم تتجرأ اي منظومة حكم على مواجهتها فعليا. لكن وسط هذه الظلمة، هناك نقطة ضوء يبدو أن السلطات التونسية عاجزة عن ادراكها، نقطة ضوء تتمثل في كفاءة تونسية هاجرت إلى ماليزيا وتمكنت من إنقاذ 8الاف قرية مو العطش، هو محمد خير الدين عروة، ابن المدرسة التونسية وهو مهندس مختص في الطاقات المتجددة، ابتكر نظاما ذكيا لتوفير المياه الصالحة الشراب. محمد خير الدين عروة مصنف من ضمن افضل 62 عالما في العالم، منحته ماليزيا فرصة تحقيق حلمه المتمثل في بعث مركز ابحاث خاص به، واليوم تحتاجه تونس اكثر من ماليزيا، مثلما تحتاج كفاءات أخرى هاجرت بسبب حالة "العطش المعرفي" التي أصابت تونس منذ فترة.. تونس التي تصحّرت في السنوات الماضية بعد أن تم وضع "الرجل غير المناسب في المكان الذي لا يستحق. سرحان الشيخاوي