رغم التراجع الطفيف الذي سجله معدل البطالة في تونس موفى العام الماضي من 15.3 % إلى 15.2 % من جملة السكان النشطين، إلا أنه يظل معدلا مرتفعا مقارنة بالنسب المسجلة في أغلب الدول لا سيما في دول المنطقة. فعدد العاطلين في تونس اليوم يناهز 625 ألفا أغلبهم من الفئة العمرية 14 - 15 سنة التي تناهز نسبة العاطلين فيها 39 بالمائة ولدى فئة حاملي الشهائد العليا حيث تبلغ النسبة 24 بالمائة. في كل دول العالم، ليس ثمة ما هو أشدّ احباطا للإنسان من البطالة وما هو أكثر تأزيما للوضعين الاقتصادي والاجتماعي من كثرة العاطلين. فالبطالة تعني شبح الحرمان وكابوس الفقر، وتعني أيضا إهدار طاقة بشرية وتكبيل قدرات ومؤهلات قادرة على تقديم الإضافة للدورة الاقتصادية والتنموية. وهي تعني أخطر من ذلك بالنظر إلى ما قد ينجر عنها من مخاطر اجتماعية ذات علاقة بالانحراف والجريمة والهجرة غير النظامية.. وتزداد حدّة عبء البطالة على العاطل عندما ترافقها – كما هو الحال في تونس - صعوبات معيشية وغلاء كبير في الأسعار وتضاؤل حظوظ الحصول على شغل جراء تراجع الاستثمارات الخاصة وإيقاف الانتداب بالوظيفة العمومية. ورغم ما يتوفر في تونس من مؤهلات وإمكانات قادرة على مزيد تحريك عجلة الاقتصاد والتنمية وتوفير موارد رزق للعاطلين، إلا أنها ظلت مهدورة في جانب كبير منها نتيجة خيارات وسياسات مرتبكة وضعيفة في التعاطي مع أزمة البطالة . فتونس قادرة على استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية القادرة بدورها على امتصاص جانب كبير من البطالة.. وهي قادرة أيضا على مزيد تثمين ثرواتها المختلفة في مختلف المجالات لخلق فرص شغل وموارد رزق لكثيرين وفي مقدمتها القطاعان الفلاحي والسياحي إلى جانب بقية القطاعات الأخرى. كما أنه بالإمكان أيضا مزيد دعم تجربة المبادرات الخاصة لبعث المشاريع والتي كانت تونس رائدة فيها منذ تسعينات القرن الماضي لكنها تراجعت اليوم. وبالإمكان أيضا الاستفادة من تجارب عديد الدول التي اتجهت بقوة في السنوات الاخيرة نحو تمكين شبابها من مقاسم فلاحية وقدمت لهم التشجيعات والتمويلات لخلق قيمة مضافة في القطاع الفلاحي خاصة بالنسبة للفلاحة العصرية والمنتجات البيولوجية القادرة على تطوير الصادرات. وفي قطاع الخدمات، آن الأوان لان تتخلّص الدولة اليوم من كل أشكال "المنع" الذي يعطل آلاف الشبان عن بعث مشاريع في القطاعات التكنولوجية والرقمية الواعدة التي تنمو بشكل متسارع في كل الدول. وبالإمكان أيضا التعويل على القطاع السياحي من خلال التشجيع أيضا على بعث مشاريع مستحدثة قادرة على استقطاب مزيد من السياح نحو بلادنا. على الدولة أن تتحرّك اليوم أكثر فأكثر من أجل وضع حدّ لارتفاع معدل البطالة، وذلك عبر استراتيجية وطنية قوية تساعد على تطوير المبادرات الخاصة للشبان لبعث المشاريع من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية والتخلص من البيروقراطية التي تقتل الاستثمار. كما يتطلب ذلك أيضا مزيد حث البنوك ومؤسسات الإقراض الصغير على تقديم قروض وتمويلات بإجراءات مبسطة فضلا عن ضرورة تمكين صغار الباعثين من إعفاءات جبائية استثنائية خلال السنوات الأولى من النشاط. تعترف عديد دول العالم بمدى قدرة وتميز الكفاءات التونسية خاصة في صفوف الشبان وحاملي الشهائد العليا، وتعمل على "اختطافها" للاستفادة منها على أراضيها. غير أن هذه الكفاءات تتعرض للتهميش في بلادها ولا تجد السند والدعم للحصول على مورد رزق يحفظ كرامتها ويحميها من براثن الفقر والحرمان ومن الارتماء في البحر ويجعلها شريكا فاعلا في الدورة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية. فاضل الطياشي