أعاد الاتحاد الأوروبي في ختام قمته المنعقدة قبل يومين في بروكسيل حول الهجرة طرح فكرة إنشاء مراكز خارج أوروبا وتحديدا في دول إفريقيا جنوب المتوسط لاستقبال وفرز المهاجرين وطالبي اللجوء إلى أوربا.. فيما سارعت دول شمال إفريقيا على غرار تونس وليبيا والجزائر والمغرب إلى رفضها إقامة مراكز مماثلة على أراضيها. وتأتي مواقف الدول المغاربية الرافضة للمقترح الأوروبي قبل ساعات قليلة من انعقاد أشغال القمة الأفريقية التي ستعقد في نواكشوط بموريتانيا اليوم وغدا، ويتصدر ملف الهجرة غير الشرعية جدول أعمالها. في وقت تحاول فيه الديبلوماسية الأوروبية تكثيف ضغوطاتها على دول افريقية مثل ماليوالنيجر ودول مغاربية على غرار ليبيا وتونس والمغرب للقبول بمقترحها، وهو ما يسعى إليه الرئيس الفرنسي ماكرون لإقناع تلك الدول بقبول فكرة إيواء المهاجرين والفرز بين من يستحق الحصول على اللجوء السياسي في أوروبا، ومن يتوجب عليه العودة إلى بلاده. فكيف سيكون موقف الاتحاد الإفريقي من هذه المسألة وهل ستضعف دول افريقية أمام الضغط الأوروبي ومغرياته؟.. ليست فكرة بناء مراكز من تمويل أوروبي في دول شمال أفريقيا وفي منطقة الساحل لفرز المهاجرين، بالجديدة، فقد تبناها قادة أحزاب اليمين واليمين المتطرف في أوروبا منذ اندلاع أزمة المهاجرين اثر الحرب السورية وأيضا مع تضاعف أعداد المهاجرين غير النظاميين عبر البحر انطلاقا من سواحل جنوب المتوسط خلال السنين الأخيرة، قبل أن يقتنع جل القادة الأوروبيين بهذه الفكرة مع وصول عدد من القادة اليمينيين إلى الحكم مثل ماكرون في فرنسا وبعض قياديي الائتلاف الحاكم في ألمانيا (وزير الداخلية) واليمين المتطرف في ايطاليا قبل أشهر قليلة.. رفض تونسي ومغاربي وجاء موقف تونس عبر تصريح لافت لوزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي إثر لقائه مبعوث الأممالمتحدة في ليبيا غسان سلامة أول أمس الجمعة حيث جدد رفض تونس المقترح الأوروبي في صورة تم طرحه عليها. مشيرا إلى أن تونس لديها مقاربة لملف الهجرة مغايرة لرؤية الاتحاد الأوربي تتمثل في معالجة الظاهرة عبر «تباحث كل الأطراف في إطار شراكة مربحة للطرفين وتراعي مصالح أوروبا والبلدان الأخرى على غرار تونس.» وكانت الجزائر قد استبقت نتائج القمة الأوربية بإعلان رفضها فكرة القبول بمشروع من تمويل الاتحاد الأوروبي لإقامة مراكز استقبال المهاجرين على أراضيها، على لسان وزير خارجيتها عبد القادر مساهل، الذي قال في حوار مع إذاعة فرنسا الدولية:»من المستبعد جدا أن تفتح الجزائر مراكز لإيواء واستقبال المهاجرين على أراضيها. نحن نعاني أصلا من نفس المشكلة ونعمل على إبعاد المهاجرين غير الشرعيين من أراضينا وفق الاتفاقات التي تربطنا مع بلدانهم الأصلية ووفق النصوص والمواثيق الدولية». كما رفض المغرب فكرة إحداث مراكز لجوء على أراضيه حسب ما أعلن وزير خارجيته ناصر بوريطة الخميس الماضي بعد اجتماع في الرباط مع نظيره الإسباني جوزيب بوريل. بدوره، حذر «الجيش الوطني الليبي» بقيادة خليفة حفتر أول أمس الجمعة «بعض الأطراف الدولية» من «إنشاء وجود عسكري لها» في جنوب البلاد «بحجة التصدي للهجرة غير الشرعية». وأكد أنه سيتم «اتخاذ الإجراءات والتدابير كافة الكفيلة بحماية الدولة الليبية وحدودها وشعبها بما يمنع اي تصرف يمثل عدواناً وانتهاكاً للسيادة الوطنية». وكان نائب رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية احمد معيتيق أكد الاثنين الماضي في حضور وزير الداخلية الايطالي ماتيو سالفيني ان ليبيا «سترفض بشكل قطعي إقامة مخيمات مهاجرين في ليبيا». مقايضة وضغوطات غالبا ما تنظر بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى مشكل الهجرة غير النظامية عبر منظور أمني وليس عبر منظور إنساني اجتماعي. وهي تحاول ممارسة ضغوطات على دول جنوب المتوسط لوقف عمليات الهجرة غير الشرعية. مستغلة حاجة تلك الدول التي تمر بظروف اقتصادية صعبة إلى مساعدات مالية. وكانت تونس قد رفضت - بعد ضغوطات من المجتمع المدني- مقترحات تقدمت بها خلال سنة 2016 كل من ألمانياوفرنساوايطاليا أن تكون ملاذا مؤقتا لاستقبال المهاجرين واللاجئين من أوربا ومن جنسيات مختلفة عربية وافريقية حتى تقوم فيما بعد بفرز وضعياتهم وتتولى تقديم طلبات اللجوء من تونس، أو يتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية مقابل وعود مالية واقتصادية. قبل أن تنجح ألمانيا في مارس 2017 بعد زيارة رسمية لرئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى برلين، من توقيع اتفاقية مع تونس يتم بموجبها تسريع إجراءات ترحيل التونسيين الذين لم تقبل طلبات لجوئهم بالأراضي الألمانية، وتقوية التعاون بين البلدين للتحقق من هويات التونسيين طالبي اللجوء. وخصصت ألمانيا لهذا ميزانية قدرها 265 مليون أورو. ثم فعلت ايطاليا نفس الأمر في نوفمبر 2017 حين جددت اتفاقية ثنائية مع تونس تتعلق بالهجرة وتلقت بمقتضاها ايطاليا الضوء الأخضر لترحيل انتقائي لمهاجرين تونسيين بمعدل 80 مرحلا أسبوعيا وهو الأمر الذي انتقدته منظمات حقوقية تونسية واعتبرت الترحيل قسرا ومخالفا لمبادئ حقوق الإنسان.. في الواقع، إن كانت السلطات الرسمية التونسية ترفض إقامة مراكز اللجوء على أراضيها مع إمكانية قبول إعادة التفاوض على اتفاقيات ثنائية للهجرة، إلا ان جل المنظمات الحقوقية ترفض مطلقا أن تكون تونس مركزا لإعادة توطين المهاجرين من الدول الأوربية. رفض لدور الشرطي والسجان فقد انتقد في هذا الإطار مسعود رمضاني رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية - في وقفة تضامنية نظمها المنتدى يوم 6 جوان المنقضي بالعاصمة مع عائلات ضحايا الهجرة غير النظامية- السياسات الأوروبية تجاه تونس في مجال الهجرة غير النظامية التي تعول في المقام الأول على المعالجة الأمنية، موضحا أن تونس بصدد مناقشة اتفاقية الشراكة الشاملة والمعمقة مع الاتحاد الأوروبي (اليكا) الذي ما يزال يرفض تنقل التونسيين إلى أوربا ما عدا الإطارات العليا والأدمغة. ودعا إلى ضرورة مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الممضى منذ سنة 1995 في اتجاه أن يكون منصفا وأكثر توازنا ويأخذ في الاعتبار المسائل الاجتماعية. وكان رمضان بن عمر الناطق باسم المنتدى قد حذر في تصريح سابق ل»الصباح» من ان دول الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانياوايطاليا تحاول مقايضة المساعدات والتمويلات المشروطة لتونس بإحداث مركز استقبال اللاجئين الذين سيتم ترحيلهم من الدول الأوربية. وبيّن ان أوروبا تريد ان تلعب تونس دور الشرطي في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية لكن الأخطر هو ان الاتحاد الأوربي يريد من تونس ان تلعب أيضا دور السجّان، وهي تضغط من اجل تحقيق هذا الهدف من خلال يافطة المساعدات والقروض والهبات والاستثمار. سياسة استعمارية بدوره لاحظ الحقوقي ورئيس المرصد الوطني للهجرة مصطفى عبد الكبير في حديث سابق ل»الصباح» رغبة الاتحاد الأوروبي في استغلال الوضع الذي تمر به تونس من اجل إغرائها لإمضاء الاتفاقية من اجل ترحيل كل المهاجرين الذين يقيمون في دول الاتحاد الأوروبي مقابل بعض المساعدات. وكشف ان المجتمع المدني في تونس نجح في التصدي لهذه الاتفاقية مشيرا إلى فشل تجربة إنشاء مخيمات هجرة في النيجر إذ يعاني هذا البلد من صعوبات كبيرة في إدارتها مع غياب المساعدات التي وعدت بها أوروبا وهذا ما كان سيحصل لتونس. وحذر عبد الكبير من ان أوروبا ما تزال تمارس سياسة استعمارية مع دول جنوب المتوسط. ولاحظ عدم رغبة الدول الأوروبية في إمضاء اتفاقيات مشتركة بينها وبين الدول التي تعتبر مصدرا للمهاجرين غير النظاميين وتجبرهم بطريقة غير مباشرة لركوب قوارب الموت، فضلا عن عدم استعداد الدول الأوروبية في سن قوانين جديدة متعلقة بحرية تنقل الأشخاص داخل الاتحاد الأوروبي.. تجدر الإشارة إلى أن دول أوروبية على رأسها ايطاليا سعت إلى إقامة معسكرات لاجئين بليبيا بمساعدة ميليشيات محلية مسلحة غير أن تلك المعسكرات تعرضت لانتقادات واسعة من منظمات حقوقية محلية ودولية بسبب تجاوزات صارخة لحقوق الإنسان خلال سنة 2017..