بعد أكثر من أسبوعين على إطلاقه هجوما برّيا يبدو فاشلا الى حدّ الآن، يجد الكيان الصهيوني نفسه غارقا في مستنقع غزة ،حيث اختلطت أوراقه بين أولويتين وهي تحرير الرهائن أو "القضاء على حماس". صدمة الاحتلال ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو ، جعلته يرفع السقف عاليا بإعلانه نيّته القضاء على حركة "حماس" في قطاع غزة نهائيا، وهو ما دفعه لمستنقع التوغّل البرّي الذي لم يحقق اي انتصار عسكري لحد الآن. فباستثناء المجازر المروّعة ضدّ المدنيين والأطقم الطبية والصحفيين، تتعرّض قوات الاحتلال المتوغّلة في الاحتلال لخسائر فادحة في العتاد والأفراد، ويعجز عن الوصول لا لقيادات المقاومة ولا لأنفاقها. ولعلّ الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الاحتلال والذي حذّره منه الاحتلال الأمريكي نفسه، هو عدم وجود خطة دقيقة للهجوم العسكري على قطاع غزة أو طريقة الدخول والخروج منها في ظلّ رفض الأمريكان لإعادة الاحتلال احتلال القطاع. يبدو التوغّل البري إذن نزوة خاصة لنتنياهو من أجل إنقاذ حياته السياسية، وهو ما يظهر جليّا حتى من خلال حلفائه الغربيين ومن خصومه السياسيين وشعب الاحتلال الذي بات يطالبه بالاستقالة واجراء انتخابات مبكّرة. أكثر من ذلك فإن هدف القضاء على المقاومة وأنفاقها وقياداتها يبدو هدفا هلاميا يلزمه أشهرا كثيرة أو سنوات، بينما التجربة وتاريخ الكيان المحتل أثبت عدم قدرته على تحمّل حرب تفوق مدّتها الشهر ونصف أو شهرين على أقصى تقدير. هذا الأمر أكّده وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين، أمس الاثنين، عندما قال إن "الضغط الدولي يزداد على تل أبيب لإنهاء الحرب في غزة"، مضيفا "بقي لدينا حوالي أسبوعين أو 3 للقتال في غزة". فهل سيورّط نتنياهو الاحتلال في حرب طويلة لا يقدر على تحمّلها من أجل حياته السياسية التي تشحذ لها السكاكين من كل حدب وصوب؟ أم أنّ مصيره وكيانه سيكون كما قال الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة "الركوع على الركبتين". ستكون هذه المسألة حاسمة في الأسبوعين أو الثلاث المقبلة وعلى أقصى تقدير في الذكرى الشهرية الثانية لعملية "طوفان الأقصى"، في ظلّ تزايد الضغط العربي والدولي الرسمي والشعبي من أجل إيقاف الحرب والمجازر. أما مأزق تحرير الرهائن فهو نتيجة لمأزق التوغّل البرّي، فنتنياهو غامر كثيرا في هذا الملف، فمن ناحية شنّ توغّلا برّيا هدّد حياة الرهائن وثانيا يرفض الدخول في صفقة مبادلة مع تزايد غضب عائلات الرهائن. يعرف نتنياهو جيّدا أن إيقاف الحرب والجلوس الى طاولة المفاوضات بشروط حركة "حماس" والجهاد"، سيكون كارثة أكبر من عملية 7 أكتوبر، و سيزيد من تهديم اسطورة الاحتلال ويعطي قوة و شرعية غير مسبوقة للمقاومة. هو الآن يؤجّل ويهرب فقط من هذا السيناريو، لأنه موعد سقوطه واندثاره السياسي ومحاسبته داخليا عن فشل توقّع عملية 7 أكتوبر ، وخارجيا عن مجازر الحرب المروّعة بحق المدنيين وخاصة الأطفال. في كل الحالات المقاومة انتصرت على الكيان الغاصب على جميع الأصعدة، استخباراتيا عسكريا اتصاليا، والأهم من ذلك كله على المسرح الدولي الذي عرف صحوة غير مسبوقة بجذور الصراع في الأراضي المحتلة وتحميل الاحتلال المسؤولية الكاملة. أيقونة الثورة والتمرد تشي غيفارا قال ذات يوم "إن لم تحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق؟"، والمقاومة في قطاع غزّة حتى وإن انهزمت عسكريا وهذا مستبعد جدا، فإنها أنارت طريق القضية الفلسطينية في جميع أنحاء العالم وأعادتها بطريقة غير مسبوقة الى الواجهة كقضية حق. بدرالدّين السّيّاري