ينظر الى استقلالية البنك المركزي كشرط حيوي لعملية الإصلاح وخصوصا من اجل إرساء السياسة الليبرالية الجديدة لصندوق النقد الدولي ولعب دور محوري في عمليات إعادة هيكلة القطاع المالي. تاتي هذه المقاربة التي تتبناها المؤسسة المالية الدولية، في سياق تقييم تم انجازه في إطار تقرير أصدره يوم أمس الاثنين 11 ديسمبر 2023 المرصد التونسي للاقتصاد، حول تداعيات تدخل صندوق النقد على العملات الوطنية في منطقة شمال افريقيا. وبين التقرير ان استقلالية البنوك المركزية لدول المنطقة شهدت تطورا كبيرا غداة قيام الانتفاضات العربية وتوسع نطاق أعمال صندوق النقد الدولي بعد برنامج "دوفيل" للشراكة الذي عرفته المنطقة. وشدد المرصد على انه في إطار الاستجابة لشروط وضغوطات صندوق النقد الدولي فقد خضعت البنوك المركزية لدول مصر والمغرب وتونس الى تغييرات دستورية وقانونية. وأوضح التقرير ان الضغط الذي فرض على تونس من قبل صندوق النقد الدولي خلال مفاوضات برنامج تسهيل الصندوق الممدد لسنة 2016 كشرط مسبق لمفاوضات القرض، تسبب في تفعيل القانون عدد 35 لسنة 2016 المتعلق بتغيير وضعية البنك المركزي حيث دعم هذا القانون استقلالية المؤسسة في التشريع التونسي. ويهدف هذا الإجراء إلى الحد من سلطة البنك المركزي على فرض موازنة للنظام المالي، اذ ينص الفصل السابع من قانون 2016 بصفة لا مواربة فيها على أن "الهدف الأساسي للبنك المركزي يتمثل في الحفاظ على استقرار الأسعار". كما أشار التشريع الخاص بالبنك المركزي التونسي الى أن الاستقرار المالي يعتبر من بين المهام المنوطة بعهدة البنك المركزي باعتباره من أهم دعائم التنسيق بين السياسات الاقتصادية للبلاد. وقبل قانون الاستقلالية كان من اوكد مهام البنك المركزي التونسي، توفير قروض بدون فوائض للدولة. لكن التشريع الجديد سن تحديدات صارمة حيث منع أي شكل من القروض او التسهيلات لصالح الدولة سواء كان ذلك بفوائض أو من دون فوائض، اذ يشير الفصل 25 من التشريع الصادر سنة 2016 بوضوح انه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة تسهيلات في شكل كشوفات او قروض او يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة". وأوضح تقرير المرصد التونسي للاقتصاد انه كان من نتائج هذا التوجه غياب أي تأثيرات تذكر على مسألة التضخم. فقد ارتفعت نسب التضخم منذ ان تحصل البنك المركزي على استقلاليته. ويعكس هذا السيناريو توجها عالميا تبدو ملامحه من خلاله نجاعة مسألة استقلالية البنك المركزي في تحقيق استقرار الأسعار. أما الأمر الذي وقعت ملاحظته، حسب تقرير المرصد، بخصوص توصيات صندوق النقد الدولي لتونس فهو التضارب فالتخفيض المنشود في نسب التضخم أمر صعب وساهم في تعقيد المسألة، حيث ارتفعت أسعار المنتوجات المستوردة نظرا للتخفيض في قيمة العملة الوطنية التي تعاني هي بدورها تبعات حزمة أخرى من الإجراءات ليزيد هذا الوضع من التشكيك في قدرة إستراتيجية صندوق النقد الدولي على خفض التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي ككل. الأخبار