تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    عز الدين عقيل يحذّر من التصعيد: القافلة تحتاج تنسيقًا رسميًا لتجاوز العراقيل    تراجع طفيف في نسبة امتلاء السدود، إلى ما دون 40%    قتلى وجرحى بعد هجمات صاروخية إيرانية ضربت تل أبيب وحيفا..#خبر_عاجل    مصدر أمني إسرائيلي: إيران بدأت باستخدام صواريخ دقيقة يصعب التصدي لها    رويترز: ترامب رفض خطة إسرائيلية لاغتيال خامنئي    عاجل/ اغتيال رئيس استخبارات ايران ونائبه..    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    تصنيف لاعبات التنس المحترفات : انس جابر تتراجع الى المركز 61 عالميا    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    شبيبة القيروان: غازي الغرايري مدربا جديدا للفريق    إنتقالات: الوداد المغربي يتعاقد مع مدافع برازيلي    المنتخب الوطني يغادر نحو إيطاليا لإجراء تربص خارجي إستعدادا للمونديال    فجر الثلاثاء : الترجي يواجه فلامينغو وتشيلسي يصطدم بلوس أنجلوس: إليك المواعيد !    عاجل :الكشف عن حكم مباراة الترجي وفلامنغو في كأس العالم للأندية    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    أكثر من 64 ألف تلميذ يخوضون ''السيزيام'' اليوم    عاجل/ انخفاض في درجات الحرارة وأمطار مرتقبة..    الاحتلال يستهدف مقرا للحرس الثوري في طهران    باكستان تتعهد بالوقوف خلف مع إيران وتدعو إلى وحدة المسلمين ضد "إسرائيل"    النفط يرتفع مع تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط.. ومخاوف من إغلاق مضيق هرمز    إيران تعلن إعدام "جاسوس الموساد" الإسرائيلي إسماعيل فكري شنقا    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    مديرو المهرجانات الصيفية يواجهون صعوبات .. بين مطرقة ارتفاع كلفة الفنانين وسندان أذواق المتفرجين    اليوم انطلاق مناظرة «السيزيام»    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    إجراءات لدعم التشغيل    رقم أخضر    مدنين: حملة نظافة بجربة اجيم لجمع النفايات البلاستيكية    تونس: حوالي 25 ألف جمعية 20 بالمائة منها تنشط في المجال الثقافي والفني    إطلاق خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي يوم 24 جوان 2025 في تونس بمشاركة 30 دار نشر    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    هكذا سيكون طقس الليلة    حملات الشرطة البلدية تسفر عن مئات المخالفات في مجالي الأمن والصحة    لجنة انتداب تابعة لوزارة التربية العمانية تزول تونس الاسبوع المقبل (وكالة التعاون الفني)    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    وزارة الصحة: اختيار مراكز التربصات للمقيمين في الطب ستجرى خلال الفترة من 16 الى 19 جوان الجاري    فيلم "عصفور جنة" يشارك ضمن تظاهرة "شاشات إيطالية" من 17 إلى 22 جوان بالمرسى    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    مطار النفيضة يستقبل أول رحلة مباشرة من مولدافيا    لماذا تستهلك بعض السيارات الزيت أكثر من غيرها؟    وزارة الصحة تُعلن رزنامة اختبار اختيار المراكز للمقيمين في الطب    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    العثور على شقيق الفنانة لطيفة العرفاوي متوف داخل منزله    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع الشروق : بين الصين والولايات المتحدة: العالم في مفترق طرق
نشر في الشروق يوم 23 - 04 - 2025

تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، تصعيدا خطيرا مع استمرار الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ بداية ولايته الثانية في جانفي 2025، فقد بلغت الرسوم الجمركية الأمريكية على المنتجات الصينية نسبة 145 %، وهو ما أثار موجة من التوترات لم تقتصر على البلدين فحسب، بل امتدت لتهز الأسواق العالمية وتفاقم المخاوف من ركود اقتصادي شامل، وفي ظل هذا الواقع، أعلنت الصين أمس الأربعاء استعدادها للدخول في محادثات تجارية مع واشنطن، بعد تصريحات ترامب التي أقر فيها بأن الرسوم الحالية "مرتفعة جداً"، معبّرا عن استعداده لخفضها حال التوصل إلى اتفاق.
فالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ليست مجرد نزاع اقتصادي، بل هي تعبير عن صراع أعمق على الهيمنة الجيوسياسية، فمنذ أن بدأ ترامب ولايته الثانية، تبنى سياسة "أمريكا أولا" بشكل أكثر عدوانية، محاولا تحجيم النفوذ الصيني المتزايد، ولم تكن الرسوم الجمركية الباهظة التي فرضتها واشنطن على بكين سوى أداة ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى عرقلة نمو الصين الاقتصادي الذي بات يهدد التفوق الأمريكي، غير أن هذه السياسة أثارت ردود فعل متباينة، حيث حذرت الصين، عبر الناطق باسم خارجيتها غوو جياكون، من أن "أي طرف لن يخرج منتصرا" في مثل هذه الحروب، مؤكدة أنها "لا تخشى القتال" وستواصل المقاومة حتى النهاية إذا لزم الأمر.
وعلى المستوى الجيوسياسي، أدت هذه الحرب إلى إعادة تشكيل التحالفات الدولية، فقد حذرت الصين الدول الأخرى من إبرام صفقات تجارية مع الولايات المتحدة على حساب مصالحها، مهددة باتخاذ "إجراءات مضادة"، وفقا لتقارير نشرتها رويترز وصحيفة الغارديان، إذ يعكس هذا التحذير محاولة بكين للحفاظ على نفوذها في التجارة العالمية، خاصة في مناطق مثل جنوب شرق آسيا، حيث تسعى الصين لتعزيز شراكاتها كما فعل الرئيس شي جين بينغ خلال جولته الأخيرة في المنطقة، وفي المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى استمالة دول أخرى من خلال تقديم إعفاءات من الرسوم الجمركية، حيث أشارت تقارير إلى أن إدارة ترامب تجري مفاوضات مع أكثر من 70 دولة لإعادة صياغة العلاقات التجارية.
وتجمع عديد القراءات على أن هذه التوترات قد أثّرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، فقد حذر صندوق النقد الدولي في تقرير حديث من أن سياسات ترامب التجارية ستؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي في 2025، متوقعا انخفاض نمو الاقتصاد الأمريكي إلى 1.8 % مقارنة ب2.8 % في العام الماضي ، حيث أن الولايات المتحدة، التي كانت أقوى اقتصاد في العالم، تواجه الآن مخاطر الانزلاق إلى الركود الاقتصادي بسبب الرسوم الجمركية التي أثرت على الشركات الأمريكية التي تعتمد على الواردات الصينية، كما أن دولا مثل كندا والاتحاد الأوروبي ردّت بفرض رسوم مضادة ، في تصعيد أثار حالة من "الشلل" لدى الشركات الأمريكية التي تعتمد على السلع الأجنبية، مما أدى إلى تراجع الإنتاج في وقت كانت فيه الاقتصادات العالمية تحاول التعافي من التضخم.
من ناحية أخرى، أظهرت الصين قدرة كبيرة على الصمود، فعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية الداخلية، مثل البطالة وانخفاض الأسعار، فإن بكين استعدت جيداً لهذه الحرب التجارية، حيث أشارت تقارير من نيويورك تايمز إلى أن الصين قد بدأت بالفعل في إعادة توجيه صادراتها عبر دول ثالثة مثل فيتنام، للتحايل على الرسوم الأمريكية، علاوة على أنها تملك أوراق ضغط قوية، مثل السيطرة على المعادن النادرة التي تعتمد عليها الصناعات الأمريكية، بما في ذلك الصناعات العسكرية، مما يجعل الولايات المتحدة في موقف أضعف مما قد يبدو.
فلا شكّ أن المشهد الجيوسياسي العالمي يشهد تقلبات واضحة نتيجة هذا الصراع، ففي منطقة آسيا-الباسيفيك، التي تعتبر الأكثر ديناميكية تجارياً، يهدد نهج ترامب بإضعاف النفوذ الأمريكي لصالح الصين، والدول الحليفة للولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، التي هددها ترامب أيضاً بفرض رسوم، قد تجد نفسها مضطرة لإعادة تقييم علاقاتها مع واشنطن، مما يعزز من نفوذ الصين في المنطقة ، كما أن الدول الواقعة في مرمى هذا الصراع، مثل دول جنوب شرق آسيا، تجد نفسها بين مطرقة الضغوط الأمريكية وسندان التهديدات الصينية، مما يزيد من تعقيد المشهد الدولي.
والثابت أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ليست مجرد نزاع اقتصادي، بل هي صراع على النفوذ الجيوسياسي يهدد بإعادة رسم خريطة العلاقات الدولية، فتصريحات الطرفين الأخيرة تشير إلى رغبة محتملة في التفاوض، لكن الشروط القاسية التي يضعها كل طرف قد تحول دون التوصل إلى اتفاق قريب، وفي ظل هذا الواقع، يبقى العالم على مفترق طرق، حيث يمكن أن تتحول هذه الحرب التجارية إلى صراع أوسع يهدد الاستقرار العالمي، أو أن تكون فرصة لإعادة التفكير في قواعد التجارة الدولية بما يضمن توازنا أكثر عدالة، بينما يكمن التحدي الأكبر في قدرة المجتمع الدولي على احتواء هذا التصعيد قبل أن يتحول إلى أزمة لا يمكن السيطرة عليها.
هاشم بوعزيز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.