على عكس الخطة التي رسمها الغرب لروسيا في أوكرانيا والتي تقوم على استنزاف موسكو وتركيعها، فإن الأمور تجري وفق أهداف موسكو التي رسمتها لما تسميه «العملية العسكرية الخاصّة». وبحسب تحليل أجرته وكالة «فرانس برس» لبيانات صادرة عن معهد دراسة الحرب الذي يعمل مع «مشروع التهديدات الحرجة»، حقّق الجيش الروسي في نوفمبر الماضي أكبر تقدّم له على الجبهة في أوكرانيا منذ عام. وفي شهر واحد، سيطرت روسيا على 701 كيلومتر مربعة في أوكرانيا، وهو ثاني أكبر تقدم لها بعد التقدم الذي أحرزته في نوفمبر عام 2024 والبالغ 725 كيلومترا مربعا، وذلك باستثناء الأشهر الأولى من الحرب في ربيع 2022 حين شهد خط الجبهة تقلبات واسعة النطاق. يأتي ذلك كلّه في وقت طرحت فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية خطة سلام أقرب الى خطة سلام روسية، باعتبار أنّها بنيت على وثيقة سلام روسية مما يعني أن موسّكو حقّقت غايتها في النهاية سواء بالحرب او بالسلم. واشنطن وإدارة ترامب تحديدا أدركت وعلى لسان مسؤوليها ان انتصارا اوكرانيا غربيا أمر صعب وشبه مستحيل، ولذلك لم تكن واشنطن منذ البداية منخرطة بما يكفي في الصراع واكتفت بتزويد النظام الاوكراني بالأسلحة التي هي في الأصل بأموال أوروبية. وهذا الأمر كان واضحا في تصريح نائب الرئيس الأمريكي "جيه دي فانس" الذي قال إنه من «الخيال» الاعتقاد بأن أوكرانيا يمكن أن تنتصر إذا أعطت الولاياتالمتحدة كييف المزيد من الأموال أو الأسلحة أو فرضت المزيد من العقوبات على روسيا. ولذلك تحديدا طرحت واشنطن خطة للسلام او الأقرب للاستسلام، فمن ناحية أرادت واشنطن وضع حد لحرب عبثية خاسرة ومن جهة ثانية أرادت تجميد الصراع مؤقتا لوقف الزحف الروسي الميداني على شرق أوكرانيا والذي اقترب من نهايته. وتتخوّف واشنطن من أنّه دون مفاوضات تضع خطوط واضحة لإنهاء الصراع فإن موسكو، قد لا تكتفي بضم المناطق الاربعة وقد تفتح لمزيد قضم الأراضي الاوكرانية في ظل الزخم الكبير لعملياتها العسكرية الناجحة. روسيا من ناحيتها لا تبدو قلقة من الوضع، فكل الامور تسير وفق الخطط التي رسمتها وقد تحقّق أكثر من الأهداف التي رسمتها للصراع في اوكرانيا، في ظل الانهيار الكبير للجيش الاوكراني وفضائح الفساد التي مست أقرب شخص للرئيس فولوديمير زيلينسكي، حيث جاءت إقالة أندري يرماك، الذراع الأقوى للرئيس زيلينسكي، لتفجّر ما يشبه الزلزال السياسي في كييف، وتفتح الباب أمام أسئلة جوهرية حول مستقبل الحكم في البلاد، وفق صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية. على الناحية الأخرى تقف أوروبا موقف الخاسر الذي تمّ استنزافه و خسر مصالحه مع روسيا، في صراع عبثي لم يكن ليصل الى هذا الوضع الجنوني لو لم ينقلب الأوروبيون على اتفاقات مينسك. الأكثر غرابة ما كشفت عنه صحيفة «نيويورك تايمز»، وهو أن العديد من الزعماء الأوروبيين فوجئوا بالخطة ذات البنود ال28 التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، حتى أن المستشار الألماني "فريدريش ميرتس" علم، لأول مرة، بخطة ترامب للسلام، عبر نشرات الأخبار. وقد أثارت الخطة الذعر في نفوس الأوروبيين، إذ رأوا في تلك البنود ال28 أن «موسكو ستدفع ثمنا ضئيلا لغزوها أوكرانيا عام 2022»، كما ستمنحها أراضي لم يصل إليها الجيش الروسي في ساحة المعركة. مرة اخرى تجد أوروبا نفسها كبش فداء للأهواء والمغامرات الامريكية على حساب مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، وها هي تدفع مجددا ثمنا باهظا لصراع اشعلته واشنطن بأموال اوروبية دون ان يكون لها كلمة حتى في طريقة انهاء هذا الصراع. بدرالدين السّيّاري