عاجل/ قانون المالية: نحو إعادة عرض هذه الفصول المرفوضة على الجلسة العامة بالبرلمان    توقعات بانخفاض الحرارة ونزول أمطار    عاجل: مناظرة لانتداب 250 عريف في الديوانة وهذا اخر أجل    احذروا هذا القاتل الصامت..#خبر_عاجل    عاجل/ فتح معبر رفح للمغادرة من غزّة: مصر ترد على القرار الاسرائيلي..    بورتريه: فلاديمير بوتين.. الإمبراطور    أول تصريح لمدرب المنتخب التونسي قبل مواجهة فلسطين..#خبر_عاجل    سامي الطرابلسي: ليس لدي أي ندم.. ونحن مقتنعون بالخيارات التي قمنا بها    الملعب التونسي: التركيبة الكاملة للإطار الفني الجديد    كأس العرب قطر 2025/ موعد مباراة تونس وفلسطين والنقل التفزي..    فرجي تشامبرز يحسم مصير تمويلاته للنادي الإفريقي    تونس: 3 مؤسسات عمومية تنتفع بالطاقة الشمسية    تطاوين: تواصل موسم جني الزيتون بإنتاج واعد وارتفاع ملحوظ في الغراسات المروية    البرلمان يصادق على فصل يسهّل على المصدّرين إثبات رجوع المحاصيل    وجبة خفيفة يوميا/ تؤدي إلى قوة الذاكرة..تعرف عليها..    أب يُلقي ابنته من الطابق الثالث والسبب صادم..!    عروض فنية متنوعة وورشات ومعارض ومسابقات في الدورة الثانية للأيام الثقافية بجامعة منوبة    ليبيا.. وزير الداخلية بحكومة الوحدة يحذر من مشروع توطين صامت    محرز الغنوشي: بداية من الليلة القادمة...وصول التقلّبات الجوية الى تونس    إدارة ترامب تصدر قرارا بشأن الهجرة وتفصل قضاة مكلفين بها    أرقام صادمة.. مقتل 45 ألف طفل سوداني واغتصاب 45 قاصراً بالفاشر    النفطي : احتضان تونس لقمة الذكاء الاصطناعي يعكس إرادة سياسية لتعزيز دور التكنولوجيا في دعم التنمية الشاملة    عاجل/ السجن لأجنبي وزوجته بتهمة ترويج المخدرات..وهذه التفاصيل..    مداهمات أمنية في الزهروني تطيح بعدة شبكات وعصابات إجرامية    مفاجأة المونديال 2026: فيفا يغيّر قواعد الVAR... الركلات الركنية في خطر!    ابنة نور الدين بن عياد توضّح: "المنجي العوني أوّل من قدّم لي التعازي"    وزير الفلاحة: قانون الاستثمار التونسي يوفّر امتيازات هامة للمشاريع التي تعتمد التكنولوجيا الحديثة تصل إلى 50 بالمائة من قيمة الاستثمار    عاجل: أمريكا توقف الهجرة والتجنيس على 19 دولة... تونس موش منهم    رئيس الجمهورية يشدد على ضرورة أن تكون البلاد العربية كلّها في موعد مع التحوّلات الرقمية    رئيس الجمهورية يسدي هذه التعليمات..#خبر_عاجل    سعيّد: الشراكة مع اليابان استراتيجية... و'تيكاد' يعزز مكانة تونس في إفريقيا    جندوبة تستقبل أكثر من 1.4 مليون سائح جزائري... وقطاع السياحة ينتعش بقوّة    كأس إيطاليا : يوفنتوس يتأهل الى الدور ربع النهائي على حساب أودينيزي    الشيخوخة تبدأ من "البنكرياس".. فحاول الابتعاد عن 3 عادات شائعة..    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق    البرلمان... ملخّص فعاليّات الجلسة العامة المشتركة ليوم الثلاثاء 02 ديسمبر 2025    تقدّم أشغال بناء عدد من المستشفيات، أبرز محاور لقاء رئيس الجمهوريّة بوزير الصحة    إدارة ترامب توقف رسميا إجراءات الهجرة والتجنيس من 19 دولة    كأس العرب 2025... الجزائر والعراق والأردن في اختبارات قوية اليوم    تركيا تعلن اعتقال 58 شخصا بتهمة الانتماء لحركة الخدمة    تفتتح بفيلم «فلسطين 36» ..تفاصيل الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية    انتخاب المديرة العامة للخطوط التونسيّة نائبة أولى لرئيس اتحاد شركات الطيران الإفريقي    الليلة: اجواء باردة وأمطار غزيرة بهذه المناطق..    حدث فلكي أخّاذ في ليل الخميس المقبل..    تراجع مخزون السدود يُعمّق أزمة المياه في ولاية نابل    ديمومة الفساد... استمرار الفساد    شنوا يصير في بدنك كان تزيد القرنفل للتاي في الشّتاء؟    موش الشوكولا برك.. أكلات ترجّع نفسيتك لاباس    عاجل: مدينة العلوم بتونس تكشف موعد ''رمضان'' فلكيّا    نحو ارساء منظومة إسترسال ملائمة لنشاط الزربية والنسيج اليدوي في تونس    بدأ العد التنازلي..هذا موعد شهر رمضان فلكيا..#خبر_عاجل    المنستير تستعد لاحتضان الدورة 29 لمهرجان خليفة السطنبولي للمسرح من 6 إلى 13 ديسمبر الجاري    الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية تكشف عن قائمة المسابقات الرسمية لسنة 2025    البريد التونسي يصدر سلسلة طوابع جديدة تحت عنوان "نباتات من تونس"    وزارة الثقافة تنعى صاحب دار سحر للنشر الأستاذ محمد صالح الرصّاع    أيام قرطاج السنيمائية الدورة 36.. الكشف عن قائمة المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية الطويلة    بنزرت: مكتبة صوتية لفائدة ضعيفي وفاقدي البصر    ابدأ الامتحانات بثقة: دعاء يحفظ المعلومات في عقلك وذاكرتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورتريه: فلاديمير بوتين.. الإمبراطور
نشر في الشروق يوم 03 - 12 - 2025

قلب أوضاع العالم رأسا على عقب مخرجا إلى الواجهة قوة شخصية الشعب الروسي الذي لولاه لاجتاحت الحركة النازية العالم بأسره في أربعينات القرن الماضي.
ولايزال «الغرب الجماعي» يبحث عن شفرة «العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا» التي أطلقها الرئيس «فلاديمير بوتين» في شتاء 2022 ويتأكد اليوم أنها ذهبت أبعد من الجغرافيا بكثير فالحكومات الغربية التي خالت أنها استفزّت روسيا وأدخلتها في مستنقع لن تخرج منه صارت تصب جام لعناتها على الرئيس المهرّج «فلودومير زيلينسكي» وتستعجل اليوم الذي تضع فيه الحرب أوزارها بعد أن تكسّرت أقنعة الكبرياء وانفضح المستور روسيا صمدت عسكريا واقتصاديا أمام تحالف من 54 دولة فيما فرغت خزائن المال وشحت مخازن الذخيرة في الدول الأطلسية التي تجد اليوم في مبادرة «دونالد ترامب» المنحازة بالكامل إلى الدب الروسي مخرجا من «ورطة أكرانيا» حتى وإن كانت معاهدة استسلام واعتراف بانتصار بوتين.
وفي المقابل لا تبدو روسيا الاتحادية في عجلة من أمرها فقد وصلت الحرب إلى مفترق طرق كل اتجاهاته تلائم موسكو فاستمرار القتال يعني قضم مساحات أخرى من الجغرافيا الأكرانية بلغت 700 كلم مربع في شهر نوفمبر المنقضي لوحده والأهم من ذلك مزيد تعقيد الأوضاع السياسية والاقتصادية في دول المعسكر الغربي حيث صارت الحكومات تتساقط مثل الذباب منذ اندلاع الحرب الأكرانية التي ضربت تنافسية الاقتصادات الأوروبية في الصميم وفرضت على الحكومات مطادرة معادلات مالية مستحيلة بسبب تفاقم العجز الهيكلي وتضاؤل احتمالات فرض مزيد من الضرائب على الشعوب الأوروبية التي أصبحت بالفعل تواجه خطر التفقير والتجويع حيث فرضت ألمانيا على مواطنيها خمسة ضرائب جديدة فيما اضطرت بريطانيا إلى حرمان 10 ملايين متقاعد من منحة الشتاء التي كانت تساعدهم على تحمّل كلفة التدفئة وشهدت فرنسا سقوط خمس حكومات في عام واحد بسبب تفاقم ضغوطات الدين العام الذي تجاوز 3300 مليار يورو فيما أطنبت الولايات المتحدة في ممارسة الابتزاز على شريكها الأوروبي لسدّ عجزها المالي البالغ 36 تريليون دولار لترشح من ثمة «حرب الجياع» بين رأسي الناتو التي أدركت ذروتها بالشروط المجحفة التي فرضها دونالد ترامب على الاتحاد الأوروبي للتوصّل إلى اتفاق حول الرسوم الجمركية حيث التزم الأوروبيون بشراء أسلحة ومنتوجات طاقة أمريكية بقيمة تتخطى تريليون دولار والأهم من ذلك الإذلال الذي أصبحت تستشعره الشعوب الأوروبية بعد أن أدركت أن بلدانها مجرّد مستعمرات أمريكية وهو تحوّل يلتقي مع السياق التحرّري الإنساني الذي فجّرته مجريات الإبادة الجماعية في غزّة الفلسطينية ليضع القارة العجوز على أعتاب منعطف كبير سيؤدي حتما إلى قطع جذور الوصاية الصهيو أمريكية على القرار الأوروبي المنبثقة عن مشروع وزير المالية الأمريكي «جورج مارشال» لإعادة بناء أوروبا بعيد الحرب العالمية الثانية بما يؤشر لتصادم حتمي قادم بين الشعوب والأنظمة الفاسدة التي تحكمها بدأت تلوح بوادره الأولى من «بروكسال» بالذات حيث أوقفت الشرطة البلجيكية المفوضة الأوروبية السابقة للسياسة الخارجية بتهمة الاحتيال.
وربما اختزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الواقع الأوروبي المشتعل عندما أعلن هذا الأسبوع استعداد بلاده لمحاربة الاتحاد الأوروبي فالرجل الذي ترعرع في أحضان أقوى مدرسة مخابرات عسكرية في العالم (كاي. جي. بي) لا تعوزه الفطنة ليدرك أن الشعوب الأوروبية غير مستعدة للتضحية من أجل الدفاع عن منظومات حكم تغرق في الفساد الذي يرجّح أن يكون إحدى نقاط الضعف الهيكلية التي راهنت عليها روسيا الاتحادية عندما أعلنت الحرب على أكرانيا وهي تدرك أنها دخلت في مواجهة مع ما يسمى الغرب الجماعي بأكمله فالفساد فيروس فتاك يضعف الدول ويضرب وحدة الشعوب في الصميم.
وعلى هذا المعيار تقاس التداعيات الاستراتيجية للحرب الأكرانية حيث لاح المعسكر الغربي الذي وصل إلى ذروة الغطرسة بعد تعثر الاتحاد السوفياتي في نهاية الثمانينات القرن الماضي كيانا ضعيفا مشتتا وهو ما يفسّر إلى حدّ بعيد تسارع مسار تحرّر دول الجنوب بعد 24 فيفري 2022 مدفوعا بالضمانة العسكرية الروسية والبديل الاقتصادي الصيني القائم على مبدأ «الازدهار المشترك» فمن كان يتصوّر أن تطرد جيوش فرنسا بتلك الطريقة المذلة من دول الساحل الافريقي ويرفع «البنتاغون» بطم طميمه الذي يشفط سنويا 900 مليار دولار من جيوب دافعي الضرائب الأمريكيين راية الهزيمة أمام القوات اليمنية في البحر الأحمر.
وبالنتيجة أدركت شعوب الجنوب مرحلة متقدمة في التحرّر من الهيمنة الاستعمارية الأطلسية وبدأ في المقابل يترسّخ «الجنوب العالمي» كقوّة مؤثرة في المعادلة الدولية فقد رفعت إفريقيا سقف التحدي في الجزائر بلد الميون التي استضافت بداية هذا الأسبوع مؤتمرا إقليميا ناقش آليات محاسبة القوى الاستعمارية الغربية على جرائمها في القارة السمراء التي تشعر اليوم أنها أصبحت قادرة على إقامة علاقات متكافئة مع الغرب الذي مارس أبشع الجرائم على الشعوب الافريقية في الحقبة الاستعمارية قبل أن يشبعها فقرا وإرهابا في العقود الأخيرة وهو ما جعل الذاكرة الجماعية الافريقية ذاكرة مشتعلة في ضوء المآسي الانسانية التي صنعها الغرب الاستعماري مثل الإبادة الجماعية التي مارستها ألمانيا في ناميبيا عام 1907 والمليون شهيد جزائري الذين ارتقوا في حرب التحرير ضد المستعمر الفرنسي والميز العنصري المتوحش الذي مارسته الأقلية الهونلدية على شعب جنوب افريقيا التي تمثل اليوم إحدى دلالات التحوّل العميق الحاصل في المعادلة الدولية حيث أن وطن نيلسون مانديا استطاع بالتعويل على قدراته الذاتية أن يصبح نموذجا للتقدم الاقتصادي والتحرّر الانساني خاصة من خلال عضويته الفاعلة في مجموعة «البريكس» التي تحتكر اليوم أكثر من ثلث الناتج الخام العالمي متجاوزة بذلك قدرات مجموعة «السبعة الكبار» الأطلسية التي تبدو اليوم مصدومة ومرعوبة من التفوّق العسكري والمالي والتكنولوجي المذهل لمحور الشرق وهو تفوّق زاد في تأكيده الرئىس فلاديمير بوتين بالكشف مؤخرا عن جيل جديد من الصواريخ النووية فرط صوتية والغواصات ذاتية التحكم تزامنا مع الاستعراض العسكري الضخم الذي أقامته الصين بمناسبة الذكرى 80 لانتهاء الحرب العالمية الثانية والذي شكل بكل المقاييس مؤشرا على التحوّل العميق الحاصل في موازين القوى العالمية.
والأكيد أن البراغماتية الأمريكية أدركت أنها غير قادرة على الاستنزاف العسكري الروسي والاقتصادي الصيني فأسرعت إلى عقد اتفاق تجاري مع بيكين ونزع فتيل الحرب الأكرانية لتضع كل ثقلها في الشرق الأوسط وهي لا تدرك من فرط تفاقم الضغوطات الداخلية والخارجية أن قطار العالم الجديد لن يتوقف قبل غايته الأخيرة إعادة تشكيل النظام الدولي بسائر مفاهيمه ومكوناته على أنقاض تفكك منظومة 1946 المنبثقة عن توافق المنتصرين في الحرب العالمية الثانية فالواضح أن السياق الانساني الجديد المتصاعد في سائر أنحاء العالم بما في ذلك أوروبا وأمريكا سيصل حتما إلى القدس موقد السلام ومنبت الحضارة الانسانية مهما زاد توحش الهمجية الصهيونية التي أعادت إلى الذاكرة البشرية مآسي النازية الألمانية التي انتهت بانتحار «أدولف هتلر» ومحاسبة مساعديه في محاكمة «نورنبرغ» الشهيرة فما أشبه الأمس باليوم.
والواضح أن هزيمة الغرب في أكرانيا ستؤدي حتما إلى تسارع ونسق تشكل معادلة دولية جديدة على أنقاض تكسّر شوكة أوروبا والصراع الداخلي الأمريكي بين متطلبات نظرية «الاقتصاد هو الحرب» وبوادر تمرّد الشعب على منظومة الاستبداد والفساد التي تحكمه.
وربما بدأت تتفكك «عقدة بلفور» التي تحكمت في التطوّرات الدولية طيلة أكثر من قرن من الزمن لتحل محلها «عقدة بوتين» التي وضعت المعسكر الغربي برمته على طريق الانتحار فما يحدث منذ اندلاع الحرب الأكرانية أشبه بلعة الشطرنج التي ابتكرها الفرس (إيران) وتفوّق فيها الشعب الروسي وقد يعود فلاديمير بوتين ذات يوم إلى جزيرة الألاسكا التي باعها قيصر روسيا للأمريكان بأبخس الأثمان في تلك الأيام الغابرة التي سبقت قيام الثورة البلشفية التي جسّدت على امتداد حقبات متلاحقة مدى التفوّق الحضاري لشعب روسيا.
الأخبار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.