بقلم الأستاذة بثينة المالكي جامعية تتجه الأنظار هذه الأيام بشكل متواصل إلى منطقة الخليج التي تشهد تحولات عميقة من شأنها أن تعيد صياغة الخارطة الجيوسياسية والاستراتيجية في المنطقة. ولم تأت هذه التحولات بمعزل عن المخاض الذي يهز أسس العلاقات الدولية المعاصرة مما دفع البعض من المحللين إلى القول بإن زلزالا يهز العالم ولن يستطيع أكبر المنجمين حنكة التكهن بمدى حجم التحولات ونتائجها في ضوء تراكم الأزمات وتعدد مناطق التوتر. ويستند المحللون إلى الطرح القائل بأن اختلاف المقاربات وتصور الحلول وتباين الرؤى حول هذه الأزمات من طرف المحرك الفعلي لهذه العلاقات الدولية وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية يزيد المسألة تعقيدا والأزمات توترا وفي ظل الارتباك الواضح في اتخاذ القرارات المناسبة للأزمات الدولية من طرف واشنطن بات من الأكيد أن واشنطن ذاتها قد تتحول من محرك للعلاقات الدولية إلى وضع المساير لها والباحث عن موقع فيها اذا ما انطلقت عقارب ساعة الواقع الدولي في التحرك بشكل سريع بعيدا عن الوضع العادي وهو ما يسمى بحالة الانفلات في الواقع الدولي. المهم أن كل المؤشرات تؤكد أننا نتجه نحو هذا الوضع إذا لم تتوصل الادارة الأمريكية إلى حل جذري للمشاكل الدولية من خلال تفعيل ايجابي لدور الأطراف الأخرى كمنظمة الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وغيرها من الدول والهياكل القادرة على محاصرة الاشكالات المطروحة واتخاذ المواقف والقرارات المناسبة حسب الأولويات وخطورة المواقف. لكن وفي ظل هذه الأجواء التي تبدو قاتمة في تصور أكثر من محلل تتجه منطقة الخليج الى وضع صعب قد يصعب الآن التكهن بحقيقته ومآله خصوصا وأن هذه الأطراف تتحرك في الفلك الخليجي لكن هذا التحرك يبقى رهين مصالح ظرفية وحسابات ضيقة ومحدودة بعيدا عن نظرة شمولية للمنطقة بكل تكتلاتها وواقعها. فاليوم نتحدث عن ديمقراطية في الخليج وغدا عن نزع أسلحة الدمار الشامل وفي مرحلة أخرى عن النفط واستراتيجيته وعن العراق ومآله ودور تركيا وتحجيم طهران وتهميش تحرك موسكو والتغاضي عن تحركات أوروبية. اذا عديدة هي محاور التحرك ومعقدة هي القضايا المطروحة لكن الحقيقة التي لا يمكن نكرانها أن الخليج يتجه إلى تحولات هي بعيدة عن واقعه وأرضيته الفكرية والثقافية وتركيبته الاجتماعية. وهذه التحولات تحدث بايعاز مباشر من واشنطن ولِمَ لا تل أبيب وبتحرك محتشم مصلحي ضيق من طرف البعض الآخر من الدول ولكن هذه التحولات «القسرية» تحدث ودول الخليج تساير التحولات وتجاريها على مستوى التصريحات الرسمية ولكنها في الواقع تخشاها لأن التحولات السريعة البعيدة حتما عن الواقع الثقافي والفكري والاجتماعي والسياسي من شأنها أن تربك الواقع فتختل التوازنات التقليدية التي يتماسك لا محالة من خلالها المجتمع الخليجي . العراق مرشح للتعقيد ومن يتحدث عن الخليج لا يمكن أن يتجاهل ما يحدث في العراق باعتبار أن التحولات سببها الأول ما يحدث في العراق ونتائجها مشروطة لا محالة بمآل الوضع في بلاد الرافدين. لكن ما سيحدث بل قل ما يمكن تخيل وقوعه أن المشهد العراقي متجه إلى تعقيدات أعمق مما هي عليه الآن وذلك على ضوء الانخرام الأمني المتواصل واستهداف قوات التحالف المستمر وبداية الأزمة الحالية والفعلية لمجلس الحكم في العراق وهو مرشح في الأيام القادمة الى الذوبان والحل بسبب مواقفه من الوجود التركي وعجزه عن مجاراة الأوضاع العراقية المتوترة بشكل يجعل الجهاز القادر على تأسيس أجهزة حكم ودستور ومؤسسات قادرة على التفاعل مع الوضع المستقبلي ان أسلمنا القول بأنه بالامكان الوصول الى هذه المرحلة وهو ما أشك قطعا في امكانية الوصول الى هذه المرحلة خلال الأشهر القادمة إن لم يكن ذلك في سنوات قادمة. ولعل السبب في ذلك أن المشهد العراقي الحالي بكل تفاعلاته هو أكثر تعقيدا من السيناريوهات والاحتمالات التي وضعتها واشنطن قبل غزوها للعراق. وقد تكون الأشهر القادمة مرشحة لواقع دموي بين الأطراف المتصارعة في الساحة العراقية وهو ما قد يدفع الطرف الأمريكي الى البحث عن حلول ومخارج قد لا تكون الأنسب لأن واشنطن تريد حلولا لكل احتمالات المشاكل ضمن دائرة مصالحها واهتماماتها وهو الأمر الذي لا يتناسب مع الاعتبارات الموضوعية للعراق. وفي ظل الارتباك المحتمل للقرارات بشأن المسألة العراقية تتجه الأوضاع في الخليج إلى واقع مرتبط بالمناخ العراقي ولكن بملابسات أخرى. طهران ستبقى تحت المجهر وضمن علاقات التوتر في الخليج يظهر الملف النووي الايراني وهنا تبقى تل أبيب دائما على الخط وهذا الملف ولئن تحركت عديد الأطراف بما في ذلك أوروبا الى تطويقه إلى جانب ما أبدته الادارة الايرانية من تفاعل ايجابي مع رغبة واشنطن ومن معها الى تضييق الخناق على ايران ونفى بذلك أن طهران عملت على تلافي تعقيد أكبر للأزمة. لكن المصالح الايرانية المتضاربة مع واشنطن بشأن المسألة العراقية تحديدا سيحول طهران محل متابعة وتخيم في سمائها مؤشرات اشتعال الأزمة في أي لحظة. وقد يكون ملف الشيعة في العراق من الملفات التي قد تدفع بكل من واشنطنوطهران الى العودة الى وضع الأزمة تحت غطاء ما يسمى ببرنامج ايران النووي. المهم أن الملف العراقي مرشح للتعقيد وعند الحديث عن العراق لا يمكن اهمال الطرف الشيعي وهنا تبرز نقطة التقاء المصالح بين طهرانوواشنطن بتصورات تختلف لا محالة من حيث المعالجة والدور المنتظر للشيعة في العراق في المدى القريب والبعيد. الارهاب والأيادي الخفية ومثلما أشرنا منذ الانطلاق أن الملف الخليجي متداخل يبدو ملف الارهاب أحد هذه الأطراف إن لم نقل أحد المسائل المرشحة أيضا للتعقيد. فكل المؤشرات تشير إلى احتمال وقوع ضربات أخرى تستهدف المصالح الغربية بعد ضربة الرياض. كل الاحتمالات واردة وقابلة للنقاش حتى أن البعض لم يرفض الطرح القائل بأن واشنطن ذاتها وتل أبيب قد يكونان أحد الأطراف المستفيدة من الأعمال التخريبية التي استهدفت العاصمة السعودية الرياض. المهم أن نفس هذا الملف مرشح للتعقيد لأن معالجة المسألة ليس حتما الوقوف عند واقعها الحالي بل إن المعالجة يجب أن تكون شمولية خصوصا وان استهداف الغرب تختفي وراءه اتهامات ثقافية قد يصعب التكهن بترسباتها ونتائجها. الديمقراطية بين الخليج ثم ماذا؟ واعتبارا لتشابك الملفات الخليجية انطلقت في واشنطن ا لدعوات الرامية إلى حث الدول الخليجية من أجل ارساء أسس ديمقراطية في منطقة الخليج. وهذه الدعوات وجدت من يساندها رسميا وفي أوساط عديدة من الشارع السياسي الخليجي. لكن السؤال المطروح أي ديمقراطية نعني؟ هل الديمقراطية بالمفهوم الغربي؟ أم ديمقراطية تأخذ بعين الاعتبار واقع الخليج وتركيبته الثقافية والقبلية؟ فما يمكن تطبيقه في مناطق أخرى بتصور غربي قد لا يتماشى والنموذج الخليجي الذي تهيمن عليه ترسبات ثقافية ودينية يصعب اهمالها. وهنا قد نطرح معالجة المسألة الديمقراطية بتصور خليجي ولكن هل هو التصور الرسمي أم تصور النخبة؟ أم ماذا؟ السؤال معقد؟ والاجابة عنه أكثر تعقيدا. المهم أن ملف الديمقراطية في الخليج سيبقى رهين التحولات الخارجية والعالمية وتفاعلات الملف العراقي لأن الديمقراطية في الخليج ليست مسألة داخلية بقدر ما هي رغبة خارجية قد لا تتناسب والجسم الخليجي الحالي الذي أرهقته التحولات المتسارعة. ومهما يمكن من أمر فإن الوصفة الغربية للديمقراطية في الخليج ليست الوصفة المرجوة وهو ما يدفعنا الى القول بأن الديمقراطية في الخليج يجب أن تكون معالجتها انطلاقا من واقع محلي ومقاربة ثقافية محلية أيضا. الخليج إلى أين؟ سؤال سيبقى مطروحا في ظل ما يحدث اليوم في المنطقة الخليجية وما يحدث أيضا في منطقة أخرى غير بعيدة ونعني بذلك منطقة الشرق الأوسط فخيوط كلا المنطقتين في خانة واحدة.