مرة أخرى تتوفق المندوبية الجهوية للثقافة والشباب والترفيه بسليانة بالتعاون مع هيئة مهرجان المدينةبسليانة إلى شد النخبة الثقافية والجماهير العادية اليها من خلال سهرة الشعر التي كانت بحق هدية ثمينة لرواد المهرجان في دورته السادسة. فمع تواصل البرمجة التي أكدت مدى العلاقة المتينة بين فضاءات دار الثقافة «ابن أبي الضياف» والساهرين عليها وبين متساكني مدينة سليانة واطاراتها، نسائها ورجالها، شبانها وأطفالها، تأثثت القاعة الجديدة للمعارض بدفء أحسه المولعون بالكلمة النافذة والصورة الجميلة والبيت الرقيق المحبوك باللفظ الوهاج والعبارة الأخاذة والمعنى العميق الذي يسبغ على الروح نسمات رقيقة قادمة من بعيد، من رحم الإبداع ومن عالم منعش. فقد انتظمت ليلة الاثنين سهرة الشعر وتداول فرسان الكلام على القول ونشطوا الأغراض الشعرية تلبية لرغبات الحاضرين وأبحروا في قصائد عطرت الجو ودغدغت المشاعر وأيقظت في القلوب والعقول أحاسيس نائمة بل رحلت بالأخيلة إلى عالم غير محسوس ثلة من المبدعين، هم على التوالي محمد الغزي والمنصف المزغني وجميلة الماجري والهادي عبد الملك وعمار النميري ورحيم الجماعي ووليد الزريبي ونجيب الذيبي، وبين الفصحى والعامية أضفوا على عتبات معبد الليل وعلى حرمات هيكل الشعر المقدس رونقا جذابا وألوانا ممتعة. وقد تفاعل المولعون بالشعر وأغراضه مع قصائدهم ونبرات أصواتهم وجهدهم في ايصال الصورة والمعنى فكانت النشوة وكان الانتشاء والاستمتاع وكانت الرحلة ممتعة مع الشعراء في التراث والمصالحة مع الذات والاندماج في مشاغل المجتمع وهمومه وتطلعاته ومع كل متناقضاته التي لا يقدر على تصويرها إلا ذوو الإحساس المرهف وتناولت القصائد أيضا الوطن والموطن وحب التراب والأرض وأبدع أثناءها تلاميذ المعهد الجهوي للموسيقى ومؤطروهم في ايصال معاني اللحن والتقاسيم الصادرة عن أوتار تنطق بالإجلال وتعبّر عن خلجات الوجدان وترانيم الوجود. الشعراء كونوا بحضورهم سهرة رمضانية رائقة وجعلوا منها باحة معطرة بالجمال والأمل ورباطا مقدسا يرمي من خلف أسواره العالية معاني تشد لها لواعج الأفئدة والوجدان وتتوقف عندها الأنفاس لتذوّقها وخزنها في الذاكرة المحشوة بهموم الزمان بعد فك رموز الفاظها وبناءاتها الآتية من مواطن الكمال والفالتة من خلف بحار عاتية من الأتعاب الوجودية.