يتعرض العراق منذ فترة الى قصفين احلاهما مر، قصف امريكي وحشي تستخدم فيه الطائرات والمدفعية والدبابات... وقصف آخر لا يقل وحشية تشنه مجموعة تنسب نفسها الى «مثقفي العراق الجديد» في مسعى لتشويه صورة المقاومة ورد «الجميل» الى الولاياتالمتحدة بعد «تحريرها» العراق... قصف بالطائرات والمدفعية والدبابات التي تقتل العراقيين و»تريحهم» من مآسي الاحتلال وقصف بأقلام هؤلاء «المثقفين الجدد» الذين «يدوّخون» عقول من بقي من العراقيين على قيد الحياة... ولعلنا لا نبالغ اذا قلنا ان احتلال العراق قد مثل «فرصة سانحة» بالنسبة الى هؤلاء «المتثاقفين» لتجذير طرحهم لافكارهم بحيث انهم لم يعودوا الان في حاجة الى «قناع» يوارون به سوأة ولائهم للمحتل بل أن هذا الولاء صار اليوم وشاحا ووساما للتباهي بالنسبة اليهم... فباسم واقعية زائفة أصبح هؤلاء يجزمون الآن بأن العراق قد حرر فعلا دون الاشارة الى ان ذلك يتم على حساب مئات الشهداء وعبر ترويع العراقيين وتعذيبهم... وباسم عقلانية مزعومة يتحدث هؤلاء اليوم عن «ربيع بغداد» الموعود ويحضرون لاقامة عرس «الانتخابات الديمقراطية» وباسم وطنية مفضوحة اصبحت المقاومة في نظرهم ارهابا... والدمار شكلا من اشكال الديمقراطية... على أن هذه الديمقراطية جعلت احد هؤلاء «المتثاقفين» يبدي مؤخرا انبهاره واعجابه المفرط بها الى حد جعله يقول بأنه لا يهم ان كانت هذه الديمقراطية قد أتت على ظهره دبابة أو حتى على ظهر جمل... فالمهم الآن هو تحقيق هذه الديمقراطية في العراق... تلك الديمقراطية التي حرم منها الشعب العراقي على مدى عقود من الزمن، على حد قوله. ولعله بسبب هذه الديمقراطية ذاتها ابدى هذا «المثقف» قلقه العميق حيال استمرار ما وصفه ب «الارهاب» في الفلوجة وقال «إن تواصل العنف في هذه المدينة ينذر بتأجيل الانتخابات وبالتأثير على المسار السياسي بالعراق... وبدا الرجل منشغلا بهذه «الانتخابات الديمقراطية» الى حد التساؤل أصلا عن جدوى المقاومة وعن الانجازات التي حققتها ثم واصل «تباكيه» على أولئك «المدنيين» الابرياء الذين يقتلون في «تفجيرات ارهابية» متناسيا في ذات الوقت اولئك الذين يقتلون بالمئات يوميا بأسلحة امريكية اشد فتكا وتلك «النماذج» المثيرة التي يقدمها الاحتلال يوميا من التقتيل والمقابر الجماعية التي امتدت من الفلوجة الى سامرّاء والموصل الى هيت وبعقوبة وغيرها... والواضح ان مثل هذا «النموذج» من «المثقفين العراقيين الجدد» يعطي في الحقيقة صورة واضحة عن حجم الاهانة التي بات يتعرض لها الشعب العراقي اليوم من قبل بعض «مثقفيه» الذين لا يترددون في شن حملات متواصلة تستهدف «التشويش» على العراقيين ومقاومتهم المشروعة وصرف الانتباه عن القضية الجوهرية المتمثلة في الاحتلال والسعي الى تحويلها بطرق «ممجوجة» نحو الحديث الممل عما يسمونه ب «مآسي الماضي»... ولسنا نعرف ان كانت «مآسي الماضي» المزعومة هذه في نظر هؤلاء أشد وطأة من «مآسي الحاضر» أم العكس... لكن الثابت انه قد فات هؤلاء جميعا اليوم أن الاجابة عن هذا السؤال بات يدركها الشعب العراقي قبل غيره حيث «انتفض» من شمال العراق الى جنوبه مدافعا عن قضيته دفاع الشرفاء الابطال بالرغم من سحب الدخان المسموم والكثيف الذي يغطي سماء بغداد وبالرغم من «صرخات» اولئك «المتثاقفين» الذين كلما «تزوجوا» قضية انحرفوا بها عن هدفها الحقيقي الممثل في الحرية والاستقلال.