سنة جديدة، والسنوات تتراقص وتمر كالقطارات السريعة على أجسادنا وأمام أعيننا.. سنة أخرى من الفضائيات المشبوهة.. ومن قنوات العري وخدش الحياء وغناء أشبه بالعناء.. والعين ملّت وكلّت.. وضاع الفن الجميل في زحمة المادة والمصالح وتحريك الغرائز.. في هذا الزمن الصعب.. زمن النكسات.. والجميع ينهش لحمنا العربي. ودمنا العربي.. ونفطنا العربي.. في زمن الانحناءات.. وبيع الذمم.. يطأطئ العربي رأسه أينما حلّ.. تلاحقه تهم الارهاب والتخلف.. وتصفعه نظرات الدّونية والاحتقار. في زمن يغلّفه الضباب العربيّ أحوج فيه من اي وقت مضى الى لمسة حانية.. الى الكلمة العذبة الصافية التي تذكره بإنسانيته.. وتمسح دموعه.. والى أغان تعيده الى زمنه الجميل.. ولو سألته لقال إن «كل زمان رائع باستثناء الآن». لماذا تغني؟ سؤال بسيط، ولكن من الصعب ان تجد اجابته عند طوابير فنانينا.. الذين يقتاتون من موتنا.. ويمرحون ويرقصون فوق أجسادنا المنهكة.. تلاحقنا صورهم في الفضائيات.. وعلى صفحات الجرائد.. ويتسلل لآذاننا «نشازهم» ونحن في الشارع او في البيت او في المقهى. لماذا يغني المغني؟! يغني لإسماع صوت الذين لا يستطيعون الغناء.. لا يستطيعون الصراخ تعبيرا عن فرح كبير او حزن كبير.. وما أكبر حزننا.. وأشد ألمنا.. وما أثقل همومنا اليومية.. والمغني يغني للبطون العارية.. ويدعونا لغرف النوم.. وللعلب الليلية والضياع وسط الاضواء.. والموسيقى الصاخبة.. من يوقف غزوهم لعقول شبابنا وهم يكبرون كل يوم.. ويحققون النجاحات.. ويجمعون المال.. ويتحولون فجأة الى نماذج وأمثلة «سيئة».. يسعى شبابنا لتقليدها والسير على خطاها. قلّة من فنانينا فقط يغنون لنا بصدق.. للمواطن العربي الذي يُقتل كل يوم في العراق او فلسطين او دارفور حتى وهو يجلس أمام التلفزة.. وكل العجب لمن يهاجمون الرائع كاظم الساهر لأنه يغني للحب ولا يغني للعراق.. ماذا يستطيع الفنان ان يفعل في مواجهة الصواريخ والرصاص والقنابل غير ان يغني للحب.. هو يغني لأعظم قيمة اغتالتها أمريكا في العراق.. واغتالتها في نفس كل عربي.. هو يغني للعراق.. لحبيبته العراقية.. لعائلته.. لسريره الذي ينام فوقه جسد أمريكي بينما يسيح هو من بلد لبلد ومن منفى لمنفى. لماذا يغني المغني اذا؟ آه.. تذكرت.. «للملايين»..!