أجرى الحوار : وسام المختار «جريدتي العزيزة عليّ «الشروق» اليومية نقراها في كل يوم نلقى فيها المصداقية ما كانش نهار شمس تشرق إلا بالشروق اليومية» كان هذا استقبال الفنانة الجزائرية فلّة عبابسة لنا في الموعد المحدّد لحوارنا معها، هذه الكلمات ليست ارتجالا وإنما هي كلمات أغنية كتبتها ولحّنتها «فلّة» في عيد الزميلة «الشروق الجزائرية» وأرادتها أن تكون هديتها في تونس ل«الشروق التونسية». «فلّة الجزائرية» كما تحبّ أن يناديها الجمهور العريض،فتحت قلبها ل«الشروق» في هذا الحوار الذي امتزج فيه الغناء بالدموع وحضرت فيه الصراحة رغم الاستفزازات فكان الحديث عن حياتها الشخصية حاضرا وطريفا كما كان الحديث عن بعض جوانب مسيرتها الفنية. البداية كانت مع أيام قرطاج الموسيقية وفيما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: وسام المختار كيف بدت لك أيام قرطاج الموسيقية في دورتها الأولى: هل حققت أهدافها، وهل كانت في مستوى التطلعات؟ «أيام قرطاج الموسيقية» يجب أن يقرأ لها ألف حساب.. مهرجان في دورته الأولى بهذا الرقي، فيما يخصّ اختيار المشاركين والتنظيم والذكاء.. فعلا مهرجان رائع.. ولا أخفيكم سرّا حين أقول، صدقا «المسرح البلدي هبّلني». كل هذا التمجيد.. أليس رمي ورود؟ فلّة لا ترمي الورود، لأنها وردة (ضاحكة)، فالحضور الجماهيري مبهر والتنظيم كان أروع ما يكون، ويا سلام على الفرقة الموسيقية.. (قالت أنا تونسية ثم واصلت) لدينا فرقة لا تجدها حتى مع بيتهوفن (وأقسمت على هذا ولتدعيم موقفها أضافت) فالأستاذ صلاح الشرنوبي والأستاذ جمال سلامة قالا لي: «إيه ده.. فيه في الدنيا كده.. تكنيك (تقنيات) عزف!!!»، أنا تونسية، أقولها ،وأعيدها، ولدينا فرقة من أروع ما يكون ولا أبالغ إن قلت إنها عالمية. ركّزت على كونك تونسية وأنت كذلك.. لكنك أيضا «مدلّلة» في تونس؟ (بنغم الطفولة أجابت) أنا فلّة المدلّلة لدى الجمهور التونسي وأنا فخورة بذلك.. في تونس حققت حلم الطفولة.. النجمة التي أحلم بأن أكونها.. كونتها يوم صعدت الى جانب الهرم الفني لطفي بوشناق على ركح المسرح الأثري بقرطاج منذ 15 سنة (كانت تتحدث بابتسامة وبسعادة تبرق طوال حديثنا معها في عينيها في اجاباتها المميزة، وهي التي أردفت جوابها عن سؤالنا الأخير بأداء مقطع من أغنية «مشموم الفل»). وهل أنت راضية عمّا قدمته في حفل تكريم الفنان لطفي بوشناق؟ حفل الفنان لطفي بوشناق، افتتحته بالفلّ وكنت فلّة اسما على مسمّى (في إشارة الى الفستان الذي لبسته في الحفل)، وكأي مطرب عربي لي شرف الغناء للطفي بوشناق لأنه فنان لا يغني ليغني بل يغني ليوصل رسالة. وقد اخترت أغنية «هاذي غناية ليهم»، وغنيت «عجيبة الدنيا وغريبة»، وأستغلّ الفرصة لأبرز حجم سعادتي باللّفتة الكريمة والرائعة التي أسعدني وكرمني بها الفنان الكبير لطفي بوشناق، لقطة لفتت انتباهي لمّا أمسك بيدي وشرّكني في أداء أغنية «العين إلّي ما تشوفكشي» التي كانت من المفترض أن يؤديها مع المطربة غادة رجب لكنه (أي لطفي بوشناق) أبى إلا أن نؤدي ثلاثتنا هذه الأغنية الرائعة. وكيف كانت ردّة فعل زملائك إزاء حضورك تكريم الفنان لطفي بوشناق؟ أحد الضيوف (من دون ذكر الأسماء)، حضر العرض ولما التقينا في النزل سألني: «ولو يا فلّة ما عندكش tête d›affiche؟!».. أجبته: «أهلا وسهلا بك، ومرحبا، الدار دارك، فأنا صاحبة العرس وأنت ضيفي..»، وعموما هذه الدورة هي الأولى للمهرجان، وحتما سيكون لي مشاركات في دورات قادمة من هذه التظاهرة، فلا بدّ أن يشاهد جمهور فلّة، فلّته وهي تغني وتعزف طيلة ثلاث ساعات وأكثر في قرطاج.. إذ أن أحلى وسام تقلّدته في حياتي هو حبّ الجمهور.. ماهي الاستفادة التي تتحقق للفنان، حسب رأيك، عند مشاركته في أيام قرطاج الموسيقية؟ مثلا في هذه الدورة، ثمّة مطربون، كنت أعرفهم بالاسم والآن عرفتهم جيدا، وسأصرّح بخبر لم يعلم به أحد وهذا «سكوب» لجريدتي «الشروق»: «ترقبوا مني قريبا جدا ثنائيا (ديو) مع الفنان زياد غرسة، ضمن الطرب العريق التونسيوالجزائري». في خضم هذا الغزو الفضائي للأغنية، كيف يمكن أن نلقب شخصا بكونه مطربا أو فنانا؟ المطرب هو من يغني «لايف» (مباشر) على الركح، في مصافحة مباشرة مع الجمهور، وإذا لم ينجح في ذلك فهو ليس بفنان ولا بمطرب وبخصوص أزمة الغزو الفضائي، أودّ التشديد على ضرورة تشفير القنوات التي تسيء لذوق أطفالنا الفني وحتى قناة الطرب التي كانت موجودة سحبوها منا. اليوم نتحدث عن العلاج بالموسيقى في كافة أنحاء العالم، فهل ما نسمعه اليوم يمكن أن يعالج البشر؟ (ضحكت ثم بدأت الحديث)، لما كنت حاملا، كنت أسمع «طيري يا طيّارة»، وقد اكتشفت مؤخرا أنها مغرمة بهذه الأغنية تردّدها دوما دون أن تكون قد سمعتها في حياتها. وقد أجريت عملية جراحية على العمود الفقري، دامت 11 ساعة وكان الدكتور الجرّاح أردني فلسطيني مقيم في اسبانيا، أين أجريت هذه العملية، وفي الحقيقة فاجأني الجرّاح، لما قال لي إنه كان يستمع الى «موزار» و«بيتهوفن» أثناء العملية الجراحية لأنه على حدّ تعبيره لا يمكن أن يواصل عملية تدوم 11 ساعة دون سماع الموسيقى الراقية. ألا ترين أن «الفيديو كليب» أضرّ بالأغنية؟ الفيديو كليب مضرّ بالأغنية، وشخصيا أحرص أن تكون الصورة مطابقة للكلمات، وبصراحة تلفزيوناتنا أصبحت «فترينة».. وأذكر أنني غنيّت لنزار قباني قصائد: «حبلى» و«تحت المطر»، وللأسف منعت من البث. لماذا اعتبرت تلفزاتنا «فترينة»؟ (بانفعال وغيرة على الأغنية العربية)، المرأة ليست سلعة، وأين نحن ذاهبون؟!.. كفانا إباحية.. هذا الأمر لا يجب السكوت عنه، وصدقا أنا لا أريد الحديث في هذا الموضوع لأنني حوربت بسبب مواقفي من الفضائيات ولكنني أحمد اللّه لأنني غنيت بمبادئي وبكل ما عندي من كرامة كمرأة عربية، وأنا لا آكل لحم الخروف (ضاحكة). ماذا تأكلين إذا جعت إذن؟ عندما أجوع آكل اللبلابي.. فأنا أعشق اللّبلابي، وأكلت مؤخرا العصبان في تونس، ويحيى العصبان والكرعين واللوبيا الحارة. في المشرق العربي يتحدثون عن صعوبة فهم اللّهجات المغاربية، حتى أن منتجين اقترحا ترجمة اللهجة المغاربية باللغة العربية على شاشات التلفزة؟ (مستغربة) «إيدي في إيدك»، تستحق ترجمة؟!.. اللهجات المغاربية لا بدّ أن تفهم كماهي ومن قال إنّ لهجاتنا غير مفهومة فهو لم يسمعنا.. (أولا يريد سماعنا كان تعليقنا فلم تعلق فلّة إلاّ بالابتسامة). بعد تجربة الزواج، لم تعش فلّة قصة حب؟ المحبة كنز وكنزي هو من يحبني.. كنزي هو جمهوري الغالي (الى حدود هذه الكلمات انقطع الحديث، لأن دموع فلّة انسكبت على خديّها كما الطفل الذي تذكر ظلم الجلاد». (بعد التهدئة من روعها) لماذا هذه الدموع؟ لا أحد يعلم ما الذي حصل لي.. ما حصل لي كان كالخنجر في ظهري.. ما هذا الحسد وما كل هذا الحقد؟! (الدموع لم تكف عن الانهمار ولكن استحضارها للجمهور وحبه لها كان مواسيها في تلك اللحظات من حوارنا معها). ومن هو الحبيب الأول في حياة فلّة؟ (ضحكت وهي تمسح دموعها التي ظلت تترقرق في عينيها)، إذا كنت أعرف من هو الحبيب الأول بعد ربنا فسأقول، لكن أعتبر أن من يحب نفسه أولا لن يصاب بأذى، وقد علمتني الدنيا أن «أحبّني وأحب كل من يحبني»، ومع الوقت صرت منذ 13 سنة مثل السلحفاة لا أخرج من البيت.. أتزين لأخرج لجمهوري فقط. وماذا عن الصداقة، هل مازال هذا المصطلح ذا معنى؟ الصداقة صارت عملة صعبة (عذرا: توقف الحوار مرة أخرى لأن محدثتنا لم تمتلك نفسها وانهمرت دموعها من جديد مثل أمطار هذا الشتاء ويبدو أن في الصدر حرقة وتحت اللسان غصّة وعذرا لفلّة عن تذكيرها بأوجاع عاشتها في هذه الحياة). لطفي بوشناق صديقك، أليس كذلك؟ لطفي بوشناق أخ، وهو عبقري يعيش في زمن ليس بزمنه فهو وزياد غرسة شيوخ الحاضر والمستقبل، بل هما «سيد درويش» عصرهما، وعندما أراهم أقول لي: «استمرّي يا فلّة، الدنيا مازالت بخير». بصراحة ودون نبش في الذاكرة ما سرّ هذه الدموع؟ نحن جماعة برج الثور، لسنا محظوظين في الحب، لكن البخت موجود في القبول وفي الحياة. فأنا منذ صغري كنت أعزف على آلة البيانو، وكنت أربح ما يعادل (راتب دكتور في عرض واحد، والحمد للّه، كما أن أول طائرة من نوع «بوينغ 7 تو7» تدخل الى الجزائر، جاء فيها زوجي الكويتي «نجيب المطوّع» ليطلب يدي، ورغم ذلك ورغم قصري الرائع في الكويت قلت له: «قصر ذهبي ومغلق دون فن مع السلامة».. أنا أعشق الحرية والغناء. ومن تحبين من الفنانات التونسيات؟ أحب نبيهة كراولي في لونها الجميل القفصي، وأمينة فاخت مجنونة فن ومغنى وهي من النوادر الفنية حضورا ركحيا وصوت أمينة «C'est la diva Amina».