موعد الريح الأخيرة لسمير العبدلي 1 بعد سنوات من الكتابة دخل الشاعر سمير العبدلي عالم النشر فجاءت مجموعته الشعرية الأولى «وعد الريح الأخيرة». التي من المنتظر أن تتبعها قريبا مجموعة أخرى عنوانها «ليلى ترفع أشرعة روحي» وقد صدرت هذه المجموعة عن الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم وقد مرت باهداء جاء فيه : «إلى أمي آمنة وأبي الطاهر نهري حب في صحراء روحي إلى المنذر... شقيقي وملجئي وطريقي... إلى أم نورس... إلى أهلي وأحبتي... ومن هذا الاهداء نفهم أن الشاعر حدّد لنفسه مخاطبا عاما وهم القراء وهم المخاطب في كل خطاب أبدي ومخاطبا خاصا وهم دائرة الأهل والأصدقاء... وسمير العبدلي هو أحد الشعراء الذين التحقوا بالمشهد الأدبي في تونس منذ الثمانينات من خلال المهرجانات والصفحات الأدبية وقد تمكنت ذاكرتي وأنا أتصفح هذا الكتاب من التقاط قصيدة سمعتها سنة 1993 في ملتقى مرآة الوسط وهي تلك التي أهداها لأحد تلاميذه الذين اختطفهم الموت.... 2 لن أتحدث عن كل شيء في هذا العمل ولن أعيد البديهيات وسأقتصر على بعض الملاحظات التي أراها مميزة في هذه التجربة الشعرية. 3 تبدو القصائد الطويلة مألوفة في مختلف جزئياتها مواضيع ولغة وعواطف... وهي ذات خصوصية تجترها أغلب تجاربنا الشعرية ومثال ذلك «موعد الريح الأخيرة» فهذه الغربة والفراغ والانتظار أمور مألوفة وهذه المفردات والصور الشعرية مثل القهوة والسجائر والبن أشياء باتت معهودة في أعمال عديدة «ترممين شهوتي بالرحيل إلى يديك وتبددين الكلام في شفتي فترتبك لك قهوة البن وسجائري ومنضدتي والملعقة الصغيرة...» ص وأن نتحدث عن هذه القصائد باعتبارها تقدم لنا نصوصا مألوفة من حيث أفكارها ولغتها وصورها، فنحن لا نستنقص قيمتها إطلاقا بل هي على نسق السائد عندنا... ولكن الشاعر استطاع أن يبلغ الطرافة في الصورة الشعرية من خلال القصائد القصيرة التي نعثر بين طياتها على العديد من الصور الطريفة وغير المتداولة مثل قصيدة دمية : «مرة وجد الفتى دمية في واجهة المغازة قبلها وانصرف الدمية لم يشترها أحد لأنها مسكينة بلا شرف» ص 43. أو مشهد «وضعت قهوتي فوق منضدة القلق خلعتني من معطفي ثم ذنبا في الأفق السكر ذاب في قهوتى وذابت أصابعي في متاهات الغرق (ص 49) أو الوزير : «تقول سيكبر الشقي ويصبح وزيرا أو يصبح سفيرا أو نائب برلمان الآن... أمي تحقق حلمها فأنا... وزير وزارة الأحزان» (ص 52) قصائد موعد الريح الأخيرة، حيرة وقلق طواف بشوارع الهزيمة والحزن... ألوان من المكابدة يرسمها الشاعر... منها ما هو عائلي وما هو اجتماعي وما هو عربي... فسمير العبدلي ككل الشعراء لم ينس أننا أمة بها وجع ولعل قصائده التي كتبها في مارس 2003 خير دليل على هذا الأمر فالشاعر لم يهمل تصوير واقعنا العربي كاريكاتوريا وذلك في قصيدة «معادلة». لأننا ندخل الحرب بأوراق بيضاء وأقلام رشيقة لأننا ندخل الحرب بربطة عنق وأثواب معطرة أنيقة لأننا ندخل الحرب بخطب عظيمة وألسنة طليقة فاننا للمرة الألف أجهضنا الحقيقة (ص 59). ولم يهمل الشاعر بغداد فخصها بقصيدة «بغداد حجتك الأخيرة». «بغداد... حجتك الأخيرة تشرين فات... وفات آذار وكل فصول المهازل والتعب ... جمع أضلعك وازرع رموشك في المنافي كي تعود..! تشرين فات غرقت سفن الأحبة في الحدود وترملت بغداد شهوتنا اللدود اجمع اضلعك وانسج بها جسدا جديدا» (ص 32/31) 5 «موعد الريح الأخيرة». موعد شعري مع الفوضى والمقاهي وانتظار الحبيبات والخيانات... موعد مع الحيرة والافتقاد واحتفاء بالذات... موعد مع الأحزان والهموم كأغلب قصائد هذا الزمن واعتصار للذاكرة : «ليس في الذكرى سوى خطاياي وبعض المواعيد لم ألتقها وبعض الخيانات من أصدقائي البشر» زمن الحسم: عبد الكريم الخالقي على الريح توضيح وجهتها القادمة فهذا الغبار الذي يملأ القلب وهذا الدمار الذي عمّد الأغنيات وهذي الدماء التي أغرقت روح أمي تستوجب الحسم قبل فوات الأوان... على الريح أن لا تمرّ... دون لقاح فخارطة المرحلة... تقتضي الخصب والانتباه... فكونوا إذا عند بدء انطلاق الهبوب على أهبة للغناء وكونوا حداة البلاد... وكونوا على موعد للبداية وكونوا عتاة على الريح... إذا خذلت اتجاه الدماء... نزفنا طويلا... وصرنا حماة لحلم الغريب... ... وصرنا عبيدا على أرضنا... فكونوا حداة البلاد... ولو مرّة فقد أتعبتنا انكساراتنا... على الريح أن تخرج الآن من خانة الضد ... وأن تعلن في وضوح بدء فصول الحداد بأرض الغريب وأن تنقل حزننا وأن تنفث غيضنا على كل أرض الغريب... على الشمس... أن تنقل وهج صحرائنا إلى عتبات الطغاة وأن تطعن القادمين... إلى حلمنا... على الريح... أن تعلن... بدء نفث السموم... ... على كل ثلج غريب... يغطي هضاب.. القلوب وأن نستعد جميعا... لبدء فصول الغناء