تونس «الشروق»: توجه انظار المتتبعين نحو الساحة النقابية حيث ستنطلق بداية من الايام القادمة المؤتمرات النقابية ليس مرتبطا فقط بهذه المؤتمرات (اي من حيث مسألة الهيكلة فقط) بل ان المتتبعين يولون اهمية كبيرة للاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره المنظمة الاجتماعية الأهم على الساحة. وهي اهمية تأتي باعتبار كثافة هياكل الاتحاد وانتشارها وباعتبار ايضا ان الاتحاد العام التونسي للشغل يبقى اكثر المنظمات التي تضم منخرطين في صفوفها الى جانب تمثيلها للقوى العاملة من اجراء وعمّال وموظفين وإطارات في مختلف المؤسسات الاقتصادية والصناعية، لكن هذه المؤتمرات لا يمكن ان ينظر اليها بمعزل عن المشهد النقابي العام خاصة المشهد الذي سبق مؤتمر جربة وعرف ما سمي بعملية التصحيح حينها اكتشف الجميع «النزيف» الذي كان يعيشه الاتحاد العام التونسي للشغل والسلوكيات التي ترسخت فيه خاصة على مستوى القيادة لتنعكس بعد ذلك على كل مستويات الهياكل النقابية. ودون الغوص في تفاصيل تلك «الحقبة» التي انتهت باستقالة الامين العام السابق للاتحاد وإحالة ملفه الى القضاء فإن مؤتمر جربة والفترة التي تلته وبصرف النظر عن كل المؤاخذات والانتقادات نجحت في إحداث القطيعة مع الكثير من تلك «السلوكيات» رغم ان الجميع يؤكد ان الوجوه لم تتغيّر وان الامين العام عبد السلام جراد «يبذل جهدا كبيرا في التأكيد على ان «الديمقراطية» ممارسة تسود المنظمة وهياكلها في كل المستويات.. مؤتمرات لكن المؤتمرات النقابية والتي ستنتهي قبل حلول الصيف القادم يصاحبها طرح الكثير من الاسئلة خاصة على ضوء معطيات ومؤشرات المشهد النقابي الحالي. فكل المعطيات تشير الآن الى رغبة المسؤولين النقابيين الحاليين في إعادة الترشح ولديهم رغبة ايضا في استمرار مهامهم وهذا المعطى يُخشى ان يؤثر على نسبة التجديد وفسح المجال امام دخول الشباب الذي يبدو بعضهم متحمّسا للوصول الى مراكز القيادة ان سمحت الفرصة بذلك باعتبار ان الحقيقة تؤكد ان المسؤولين النقابيين الحاليين هم جزء من «الماكينة» التي تصنع القرار داخل المنظمة كما ان حسابات ومعادلات كثيرة ومعقدة احيانا تحكم منطق الفوز والخسارة في المؤتمرات.. لكن هذا لا يعني وجود معطيات تؤكد ان تغييرات ستحصل على رأس الهياكل القطاعية خاصة تلك التي عرفت نفس الاشخاص طيلة «حقبات». كما ان بعض الهياكل القطاعية والتي تعتبر نوعية بحاجة الى «التغيير» باعتبار الظروف الجديدة التي تعيشها القطاعات نظرا للتحولات التي تعرفها وطنيا وعالميا ومنها قطاع النسيج وقطاع السياحة وقطاع الفلاحة... لا يخفى الآن على احد ان مؤتمرات الهياكل النقابية ستكون بوابة المؤتمر الوطني القادم والذي لاشك ستحكمه الكثير من «الحسابات» خاصة اذا أكدنا وجود»القطيعة» مع المؤتمرات الوطنية التي كانت تعقد في فترة الأمين العام السابق حيث كان الامين العام ينتخب بالاجماع من المؤتمر وحين كانت ترافق عمليات التصويت والانتخابات الكثير من «الظروف» الصعبة. تجديد لكن الأكيد الآن ان الهياكل النقابية بحاجة الى التشبيب في ظل واقع نقابي متغيّر وطنيا وعالميا وفي ظل حقيقة الاعتراف بوجود صعوبة لدى النقابات في استقطاب المنخرطين خاصة في القطاع الخاص الذي عرف تحوّلات كبيرة وعميقة على مستوى آليات العمل والعلاقات الشغلية. كما ان استقطاب المرأة يبدو عنصرا هاما ايضا نظرا الى ان المرأة تشكل في كثير من القطاعات نسبة هامة ومؤثرة من القوى العاملة بل ان وجودها في قطاعات مثل النسيج والتعليم والصحة صار طاغيا، لكن الحقيقة ان المرأة ظلت في الاتحاد العام التونسي للشغل وفي مختلف هياكله بعيدة عن موقع القيادة والقرار. إطارات ولابدّ من الاشارة ايضا في ضوء المؤتمرات النقابية التي تُعقد وستعقد الى ان الاتحاد مدعو الآن الى توجيه مجهوده نحو بعث نقابات الاطارات ذلك انه في ضوء التحوّلات التي يعرفها سوق العمل محليا ودوليا صار النفوذ لأصحاب «الياقات البيضاء» اكثر منه للعمال بالمفهوم التقليدي والكلاسيكي لهذه الشريحة التي صنعت تقاليد وأصول العمل النقابي. ونعترف هنا ان نقابات الاطارات داخل الاتحاد العام التونسي للشغل ظلت خارج مناطق النفوذ خاصة مع «الاشكاليات» التي تعيشها على غرار نقابتي اساتذة التعليم العالي كما ان دور نقابات الاطباء ظل محدودا مقارنة بنفوذ قطاعات اخرى. فضاء وبصرف النظر عن كل هذه المعطيات فإن نقابات وهياكل الاتحاد العام التونسي للشغل ظلّت الفضاء الذي ضمن التعايش للكثير من التيارات المختلفة الى حدّ التناقض وهي «تيارات» استطاعت التأثير في العمل النقابي وفي تقاليده وفي آلياته.. لكن من سيترشح ومن سيفوز؟ ذلك هو السؤال الذي يحكم المشهد النقابي..