اثار انتصاب بعض مكاتب المحاماة الأجنبية في تونس قلقا كبيرا لدى المحامين التونسيين والمستشارين الجبائيين وغيرهم، وانطلق الجدل حول قانونية انتصاب هذه المكاتب الأجنبية ببلادنا والخوف من توسعها في مجال تدخل المحامين والمستشارين والخبراء.. لذلك اختارت جمعية المحامين الشبان مناقشة الموضوع مع أهل الاختصاص في ندوة عقدت أول أمس بالعاصمة. الجهة المنظمة اختارت كعنوان للندوة «انتصاب مكاتب المحاماة الأجنبية في تونس بين انعكاسات العولمة وحماية القطاع» ورغم ضعف الحضور الذي أصبح عاديا، فإن المداخلات كانت قيّمة جدّا وتناولت الموضوع من كل جوانبه وبدقة كافية. أهمية الإشكال وخطورته بالنسبة إلى المشاركين في الندوة كان يفترض ان تنظمه الهيئة الوطنية خاصة وأنه يلامس مجال تدخل منظوريها، فضلا عن تدخل هذه الشركات في كل أشكال الاستشارات. هذه القضية قدم لها الأستاذ عادل بالهجالة عضو الاتحاد الدولي للمحامين الذي قال إن بنود وملحقات الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات (الاتس GATS ) التي أبرمت بتاريخ 15 أفريل 1994 بمراكش فتحت الطريق أمام شركات الخدمات الأجنبية للانتصاب في الدولة الوطنية اضافة إلى ما تضمنته اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، إذ تم الاتفاق على تحرير كل قطاعات الخدمات مع موفى سنة 2007، وكان سؤال الأستاذ بالهجالة هل أن الاستشارة القانونية هي من المشمولات المطلقة للمحامي طبق الفصل الثاني من قانون المحاماة أم أن المحامي هو مجرد وكيل خصام؟ وقال المحاضر «إنه كان من المفروض أن تكون الهياكل الرسمية للمحاماة هي المشرفة على هذا العمل» في إشارة إلى عدم حضور أي عضو من أعضاء مجلس الهيئة رغم أهمية وخطورة الموضوع. الاستشارة والتمثيل تفاصيل الاشكال حضرت جيدا في مفاصل المحاضرة المركزية التي ألقاها الأستاذ عزالدين بن عمر عضو الاتحاد الدولي للمحامين والمحامي التونسي، والذي قال إن يوم 1 جانفي 2005 كان اليوم الأخير الذي منحته دورة الدوحة لمفاوضات الات للدول الأعضاء قصد تقديم تعهداتها في خصوص الخدمات القانونية، وأضاف بأن اتفاقية «الاتس» التي أبرمت في أفريل سنة 1994 هي اتفاقية تكميلية لمنظمة التجارة العالمية، وقال إن الاشكال في بدايته كان متعلقا باعتبار أن الخدمات القانونية تابعة للخدمات التجارية أم لا وهو ما مثل محور الصراع بين فرنسا من جهة وأمريكا والدول الأنلوساكسونية من جهة ثانية، إذ تمسكت فرنسا بالفصل بين الخدمات القانونية والخدمات التجارية فيما تمسّك الطرف الثاني باعتبار الخدمات القانونية هي خدمات تجارية، وانتصر هذا الرأي في الأخير، وأصبحت بذلك كل خدمة لا تدخل في نطاق السلطة العمومية للدولة تندرج في ما هو تجاري، والاتفاقية اعتبرت أن ما يسديه المحامي هو خدمة قانونية إذن خدمة تجارية. فراغ تشريعي الأستاذ عزالدين بن عمر قال ان عشرة دول فقط استأنفت الخدمات القانونية من تحرير التجارة في الخدمات. أما في خصوص تونس فإنها تعهدت فقط بتحرير قطاعات الاستثمار الخارجي ودخول وخروج الأشخاص والبضائع وقوانين الصرف واقتناء الأراضي في المشاريع الصناعية والقطاع البنكي، في حين لم تتعهد تونس في الاتفاقية بالخدمات القانونية، وهو ما ترك فراغا تشريعيا. واستنتج المحاضر بذلك «ان انتصاب مكاتب محاماة أجنبية حتى بعنوان استشارة، لم يكن مرتبطا بتعهدات الدولة التونسية في اتفاقية «الاتس» في حين لم تكن الاستشارة القانونية غير خاضعة للغياب التشريعي. إذن الدولة التونسية لم تتعهد في الاتفاقية بتحرير الخدمات القانونية، وبذلك «فإنه لا يتيّسر لمكاتب المحاماة الأجنبية الانتصاب في تونس» لكن شرطا وحيدا يعطي الحق لهذه المكاتب لتنتصب ببلادنا وهو شرط ترسيمها من قبل مجلس الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين في جدول المحاماة، وخلاف ذلك فإنه لا يحق لها قانونيا الانتصاب سواء للتمثيل أو للاستشارة.