تقدّم محام لدى التعقيب منتصب بتونس العاصمة مؤخرا بشكوى إلى عمادة المحامين وإلى فرع تونس للمحامين موضوعها «وضع حدّ لانتصاب الأجانب في ميدان الاستشارة القانونية ولمباشرة مهنة المحاماة من قبل ممتهني المحاسبة وغيرهم من السماسرة ومنتحلي الصفة». وجاء في الشكوى المذكورة التي حصلت «الشروق» على نسخة منها أن السنوات الأخيرة شهدت انتصاب عدد من المكاتب العالمية للمحاماة مستغلة في ذلك الفقه الاداري القائل بأن «مهنة الاستشارة القانونية ليست حكرا على المحامي» وأنها غير منظمة ويمكن بالتالي لمن لم يدرس يوما القانون مباشرتها بمجرّد الحصول على معرّف جبائي.. ثغرات أكّد المحامي المذكور في عريضته الموجهة إلى عمادة المحامين وفرع المحامين بتونس أن مجلة التشجيع على الاستثمارات فتحت الباب على مصراعيه أمام الأجانب للانتصاب في ميدان الدراسات القانونية وغيرها من مهن الخدمات المنظمة وغير المنظمة إذ يكفي حسب نص الشكوى إيداع تصريح بالاستثمار لدى وكالة النهوض بالصناعة حتى يتمكن مكتب محاماة أجنبي من الانتصاب تحت عنوان «التدقيق القانوني» وهو نشاط من جملة الأنشطة التي نصّ عليها الأمر عدد 492 المؤرخ في 28 فيفري 1994 المتعلق بقائمة الأنشطة المنتفعة بامتيازات جبائية، ثم يتولى صاحب هذا النشاط ممارسة الاستشارات القانونية والجبائية وينتحل بالتالي صفة «محام» في خرق واضح للقانون، وكان من المفروض الانتباه لهذه الثغرة القانونية حتى لا يقع استغلالها في الإضرار بمهنة المحاماة. معاملة بالمثل كان من المفروض حسب العريضة المذكورة أن يقع تطبيق مبدإ المعاملة بالمثل عندما يتعلّق الأمر بتمكين هؤلاء الأجانب من الانتصاب في بلادنا لممارسة أنشطة عديدة تحت غطاء مهنة «التدقيق القانوني» مثل نشاط «مساعدة قانونية وجبائية» أو «استشارات قانونية وجبائية» أو «دراسات قانونية»أو حتى الدفاع والمرافعة أمام الهيئات القضائية والإدارية وتحرير العقود وتكوين الشركات والحضور بمصالح السجل التجاري وبالجلسات الصلحية في المادة الجبائية وتمثيل المطالبين بالضريبة وتحرير العرائض، وكل ذلك من خلال الاستعانة ببعض المحامين ليمثلوهم شكلا في هذه المهام بمقابل مالي متواضع. وحسب نصّ العريضة، فإن ممارسة هذه الأنشطة كان من المفروض أن يخضع لمبدإ المعاملة بالمثل بين الدول. ذلك أن الدول الأجنبية وخاصة الأوروبية لا تضع أية تسهيلات أمام الأجانب الراغبين في ممارسة هذه الأنشطة على ترابها، بل عادة ما تفرض عليهم اجتياز مناظرة لاثبات مدى إلمامهم بتشريع البلد المضيف حتى لو كان ذلك داخل المجموعة الأوروبية. ومن جهة أخرى فإن التفاوض بتحرير هذه الأنشطة مع الاتحاد الأوروبي مازال حسب ما ورد بالعريضة لم ينته بعد لتحرير قطاع الخدمات الذي يضم الخدمات القانونية والجبائية الواردة تحت عدد 861 و863 بقائمة الخدمات الملحقة بالاتفاقية العامة لتجارة الخدمات بالمنظمة العالمية للتجارة). قطع موارد رزق تحدثت العريضة المذكورة عما يمكن أن يسبّبه انتصاب الأجانب في مجال الخدمات القانونية والجبائية من مضرّة لسوق الشغل ببلادنا بالنظر إلى العدد الكبير من خريجي كليات الحقوق والمحامين. فالأجانب المنتصبون في مجال الخدمات القانونية وكذلك ممتهنو المحاسبة الذين يمارسون أنشطة الاستشارة والمساعدة القانونية والمحاسبية والجبائية وغيرهم من منتحلي صفة المحامي يحققون مداخيل قياسية في وقت لا يقدر فيه محامون تونسيون (خاصة الجدد) على خلاص معينات كراء مكاتبهم وعلى توفير نفقات الهاتف والكهرباء، وفي وقت يعاني منه آخرون من البطالة. حلول بالتوازي مع الإشارة إلى ما تسببت فيه هذه الوضعية من سلبيات، عرض المتقدم بالعريضة حلولا يمكن أن تمثل مخرجا لهذه الوضعية مثل مراجعة شروط انتصاب الأجانب في مجال الخدمات القانونية والجبائية وتطبيق مبدإ المعاملة بالمثل. وكل ذلك إضافة إلى الاستئناس بتجارب أجنبية مثل التجربة اللبنانية حيث الاستشارة القانونية حكر على المحامي دون سواه وكذلك الأمريكية والأوروبية حيث لا يسمح لمن هبّ ودبّ بممارسة الاستشارة القانونية إضافة إلى التجربة البريطانية حيث تم ضبط مهام المستشار القانوني (SOLICITOR) والمحامي (BARRISTER) بدقة متناهية وضعت حدا لتدخل منتحلي الصفة عكس ما نراه في بلادنا وهو أن من لم يدرس القانون ولو يوما واحدا يمكنه ممارسة الاستشارة القانونية بمجرد الحصول على معرّف جبائي أو إيداع تصريح بالاستثمار لدى وكالة النهوض بالصناعة بالنسبة للأجانب.