تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوزيرة الدكتورة بثينة شعبان في حوار هام وشامل مع «الشروق» (الجزء الأول)
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

أجرى الحوار في دمشق : عبد الرؤوف المقدمي
لكل حوار قصة!
فبعد جولة تاهت فيها الروح في أزقة دمشق القديمة وانتبهت خلالها الحواس للجمال الساري في كل عتيق، وسرى منها في الصدر نور امتزج براحة وعبق بطمأنينة، ولجنا رفقة الصديقة والزميلة الرائعة «رغدة مارديني» بيتا دمشقيا أصيلا، تحول إلى مطعم تشتهي تأمله حتى أنك تنسى شهوة طعامه، وتجحظ في مشاهدة معماره عوض أن تجحظ في قائمة أطباقه!
والمطعم، ساحة رصت فيها الطاولات بأناقة وترتيب، وتناثرت فيها شجيرات ونباتات حولتها اضاءة مدروسة الى كرنفال من الروعة والرونق، وجعلت منها موسيقى عربية خافتة محفلا لفرح وسرور. وبالطبع ينسيك كل هذا الديكور ضغط العمل ليعوضه بحالة من الانتشاء القصوى، ومن الوجد الباطني الذي هو ضرب من التسبيح، ونوع من الفناء في خالق كل هذا الجمال ومبدعه ومصوره!
ولأنها زميلة صحفية متمكنة، سألتني رغدة عن قائمة المسؤولين الذين طلبت أو الذين أريد مقابلتهم، فامتدت قائمة الأسماء حتى وصلت الى الدكتورة بثينة شعبان. الناطقة الرسمية السابقة باسم وزارة الخارجية والوزيرة الحالية في الحكومة السورية. وتدير الزميلة أرقامها في هاتفها الجوال، لأسمع صوتها يردد :
أهلا بثينة، كيف حالك؟ وأسمع كلاما آخر، ينتهي بأن أمسك الهاتف لأكلم السيدة الوزيرة التي رحبت برقة. وجاملت بلا تصنع، لتعلمني بعدها أننا سنتقابل في الغد مع وفد صحفي عربي مكتوب ومرئي. وأرد على الوزيرة، أنني أطلب لقاء منفردا وخاصا شارحا الأسباب ومصرا على الطلب، ومن الغد كان اللقاء مع الوفد العربي كله وعند نهايته أخذتني السيدة الفاضلة إلى مكتبها طالبت أن أحدد معها موعدا حسب روزنامة عملي. ولقد شعرت بخجل حقيقي من كل هذا التواضع فكان ردي، إنك يا سيدتي وزيرة، وأمر اللقاء وتوقيته يحدده المسؤول وليس الصحفي!
وبلا تصنّع مرّت سحابة خجل على وجه الوزيرة الألوف، ثم اتفقنا على أن يكون الحوار يوم الثلاثاء على الساعة التاسعة والنصف، قبل ساعتين تقريبا من اجتماع مجلس الوزارء. وظننت أن القصة انتهت عند هذا الحد، وأن اللقاء مع ذلك الطيف الأنثوي الذي طالما شاهده العالم كله، وهو يلازم الرئيس حافظ الأسد في لقاءاته مع زعماء العالم تأمّن موعده. لكن!
لكن، وأمام دهشة مضاعفة، تتصل بي مرة أخرى الصديقة رغدة لتعلمني أن السيدة بثينة شعبان، ستأتيني إلى فندق الشام حيث أقيم، ليلة الإثنين وسيكون لنا هناك لقاء مطول أستطيع أن أطرح خلاله كل ما أريد، وأنا أتحدث فيه عن كل ما يمكن أن يجول بخاطري، وهو ما سهّل المهمة وعسّرها أيضا. فكل هذا التواضع والكرم، من شأنه أن يؤثر على علاقة الصحفي بالمسؤول!
لكن حالة الطمأنينة للقاء سريعا ما عادت فالدكتورة بثينة شعبان مثقفة وكاتبة واعلامية، تفهم بالضبط الأسئلة ومقاصدها ولطالما قرأت لها مقالات في احدى الجرائد العربية المهاجرة تقطر فهما، وبعدا عن الرسميات، وتلغي المسافة المفترضة بين مقال يحبره صحفي ليس له ما يخسر، ومسؤول سياسي قد يحاسب حتى على ما لا يقصد!
والمهم، واختصارا للحكاية كلها قررت أن يكون اللقاء معها على شقين، شق فكري سياسي محض، وشق يخص علاقتها بالرئيس حافظ الأسد وملاحظاتها عن لقاءاته مع صناع السياسة والتاريخ في عصره. فهذه السيدة شاهدة على عصر ومخزن لأسرار!
ويوم الاثنين الموعود، حلّ ركب السيدة الوزيرة وخرج من سيارة المرسيدس طيف أنثوي أنيق في روحه، وأنيق في ما لفّ به جسده من ألوان متناسقة ومكملة لبعضها البعض. وبعد ترحيب طويل، وانسياب في كلام عام بدأنا اللقاء الذي كان يمكن أن يكون أطول!
- قلت في البداية، كنت أراك على شاشات التلفزيون تلازمين الرئيس حافظ الأسد، ولكني لم أكتشف فيك كل هذه المقدرة إلا عندما شاهدتك هذه السنة وأنت في الولايات المتحدة الأمريكية تحاورين وتشرحين بتمكن وإقناع قضايا بلادك وقضايا وطنك العربي، رغم تمكن وتغلغل اللوبي الصهيوني هناك؟
قالت : للعرب قناعة خاطئة بأنه لا يمكن لنا أن نفعل شيئا في الولايات المتحدة، وأنا أعتقد أنه كانت هناك أسطورتان بالنسبة لإسرائيل، أسطورة أنهم أصحاب حق، وأن هذه أرض الميعاد، وانهم كانوا هنا منذ ألفي سنة، وأعتقد أنهم تخلوا عن هذه الصورة لأنها غير مقنعة لأحد. أما الصورة الثانية فإنهم يمتلكون القرار، وأنه مهما فعل العرب فإن ذلك لن يجدي نفعا وأعتقد أن هذا الوهم هو أخطر وهم أدخلوه في أذهان العرب، أي أنه لا يمكن لأحد أن يخترق الساحة الأمريكية لأنها لا تقتصر إلا عليهم.
وأنا أعتقد أن الساحة الأمريكية والأوروبية وكل الساحات الأخرى مفتوحة لمن يريد أن يعمل بها، ولكن إذا لم تكن أنت موجودا فطبيعي أن يحتل الآخر مكانك، كائنا من كان هذا الآخر، ولذلك أعتقد أن العمل في أمريكا خصوصا ليس سهلا، لأن اللوبي الصهيوني هناك ليس سهلا، وهو قوي ومتمكن، وهو ينفق الأموال كي يبقى كذلك، لكننا نحن في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا، علينا أن نسأل عن البديل.
هل نقول أننا لا نستطيع أن نفعل شيئا، أم أن نبحث عن طرق لفعل شيء؟ وكلمة «لوبي» في اللغة الانقليزية هي البهو، واللوبي الصهيوني يفعل كل شيء في البهو قبل الدخول الى قاعات الاجتماع يتحرك ويناور ولنقل أن هذا البهو هو الساحة الأمريكية ولكن يمكن لكل انسان أن يتواجد فيه. ممكن للعربي أن يكون في هذا البهو، يمكن أن يكون هناك لوبي عربي، ولوبي سوري، ولوبي تونسي، الآن هناك لوبي ياباني وأرمني وايرلندي وهندي. وهذه تكسب قوة يوما بعد يوم في الولايات المتحدة. وتناقش وتناور وتحقق مكاسب كبرى لبلدانها. إذن ليس صحيحا أبدا أن اللوبي الصهيوني هو الوحيد الموجود في الساحة، أبدا وليس صحيحا أننا نحن العرب غير قادرين على فعل شيء.
- ولذلك بادرت أنت بالذهاب إلى هناك؟
قالت : أنا كنت هناك بموافقة من القيادة السورية وذهبت مرتين. مرة في شهر آذار ومرة في شهر حزيران، ووجدت أن الأبواب جميعها مفتوحة. لا أقول أننا يمكن خلال عام أو عامين أن نغير السياسة الأمريكية ب180 درجة، لا، لكنني أقول أن شرح وجهة النظر العربية للشعب الأمريكي وللإعلام الأمريكي وللساسة الأمريكيين أمر مهم جدا، مثلا قانون محاسبة سوريا مع أنه الآن اتخذ وأقر، ولكنني أقول أنه ربما نسبة الذين صوتوا لهذا القانون ويعرفون لماذا صوتوا ولديهم جدول عمل ضد سوريا ربما لا يتجاوز 10% أو 5% والباقون إما لا يعرفون أو لا يكترثون أو أنهم يصوتون لأنه في اعتقادهم أسلم.
المشكلة الأخرى التي يواجهها من يريدون مساندة العرب هو أنه لا توجد مرجعية عربية، في الولايات المتحدة يعني من يؤيد اللوبي الصهيوني يحصل على نتائج ويبقى مرضيا عنه. ولكن من يعادي هذا اللوبي يجب أن يجد مرجعية تؤيده وتدعمه وتأخذ بيده لكنها للأسف غير موجودة.
- وعقّبت، وهل توجد هذه المرجعية حتى على المستوى العربي ذاته؟
وقالت بحماس، لا، لا توجد واستطيع ان اقول اننا في زمن يجب ان نعمل فيه من اجل تثبيت مرجعية عربية. هي ربّما في حالة تشكّل وفي حالة تكوّن.
- وقلت مستغربا، في هذه الظروف؟
قالت: أعتقد انها فكريا في حالة التكوّن. وأعتقد أن كل سياسي وكاتب ومفكّر عربي نظيف يتحدّث عن ضرورة وجود هذه المرجعية، وأننا في موقف سيء، وأن هوّيتنا هي المستهدفة. لا بد أن نشكّل رؤية فكرية وسياسية اعلامية في وجه هذه الهجمة، أي استطيع القول انه هناك بداية وعي او يقظة لضرورة خلق هذه المرجعية.
- وأقول لها: هل تعتقدين ان هذا بدأ يصل الى النظام الرسمي العربي، فالمشكلة هناك؟
وتردّ: اذا اردت ان اتحدث عن سوريا، نعم.
- وأقاطعها، لا، لا عن النظام الرسمي العربي ككل؟
وترد بذكاء: ربما لا، اما سوريا فمقتنعة كقيادة سياسية بضرورات كل هذا، وأنه لا بديل عن هذا، ولكن النظام الرسمي العربي، لا أعلم في الحقيقة لا أعلم على ماذا يراهن. أعتقد أنه ليس قريبا من التوصّل الى هذه المرجعية، ولكن كما قلت سابقا، عندي اعتقاد أن الشعب العربي في كل أقطاره، مقتنع الآن بضرورة وجود مرجعية وموقف عربي، ولكن كيف يمكن ان تتحوّل هذه القناعة الى موقف، ومن ثمّة الى سياسة، هنا تكمن المعضلة. والحل الوحيد هو ان تتحوّل هذه القناعة الى موقف صلب ثم سياسة في العالم العربي. وهذا سوف يحدث عاجلا ام اجلا، حركة التاريخ تقول هذا.
- بالتأكيد، بالتأكيد، لكن حتى نصل الى ذلك نحن سندفع ثمنا باهظا؟
وتقول هذه هي المشكلة في الحقيقة، أن نطيل وقت الانتظار بدل ان نخلق هذا الامر خلال سنة اوسنتين، ربما سننتظر عشر سنوات، وربما سندفع ثمنا باهظا خلال هذه الفترة. لا أعلم ما هو الامر الذي يمكّن ان يسرّع هذه العملية سوى النهضة الفكرية في العالم العربي. ارى ربما تشابها في وضعنا اليوم ووضعنا خلال مطلع القرن العشرين.
نحن نحتاج الى نخبة تقود هذه الأمّة فكريا، ولديّ قناعة أن هناك العشرات من العرب الذين يفكّرون كما نفكّر ويشعرون بنفس الحاجة، لكن علينا ان نعرف بعضنا وان نجتمع وان نقرّر وأن نعمل شيئا. نحن نعلم ما هو الطريق، لكن احد ما يجب ان يبدأ.
- وأواصل، لكن هذا لابد أن يتمّ، لا اقول في اطار فكر قومي عربي لأنه اصبح في هذه الكلمة لعدة اسباب نوع من الاستهلاك رغم انها صحيحة وضرورية، لكن الذي نلمحه ان كلا اصبح يركض لوحده، وظهرت تنظيرات مثل «بلدي اولا» وغيرها مما لا يشجّع ولا يدلّ على اي عمل جماعي لوضع يحتاج لجهد الجميع؟
للأسف كلامك صحيح، لكن انظر مثلا عندما تمّ ضرب بغداد، لقد شعرت أن المرأة في البحرين تلطم وجهها وتقول هذه بغداد تُضرب، المرأة في المغرب ايضا، في فلسطين، في سوريا، في السعودية، في كل مكان كانت مشاعر الشعب العربي فيّاضة وصادقة وقومية
- وأقاطعها، كواندليزا رايس مثلا قالت ان كل هذا لا يهم، وأن هذا التعاطف لا معنى له؟
هم يقولون هكذا، وليقولوا ما يشاؤون، فالمنطق الذي ينطلقون منه، هو منطق قوّة ومنطق، ايمان بالسلاح، ومنطق الايمان بالقوّة المادية. نحن ننطلق من نظرة مختلفة، من منطق ان ارادة الشعوب وروابطها لا تنقطع ولا تهزم. خذ الانتفاضة مثلا هناك محلل امريكي معروف يقول انها لم تنجح، لكنني أرى عكس ذلك. لقد نجحت ان تثبت للعالم ان الطفل الفلسطيني يستطيع ان يواجه دبابة، وأن شارون ودباباته لم يكسروا الارادة الفلسطينية. طبعا هناك الكثير من العذاب والقهر وكل ما تريد ان تسيمه من المآسي، ولكن هناك نجاحات.
- وأردّ، ولكنهم التفّوا عنها او حولها، ليحولوها الى ارهاب، فالصورة ظهرت وكأن ذلك الطفل وانتفاضته احدى تجسيدات الارهاب، ودليلي انه حتى الاتحاد الاوروبي وضع تنظيمات فلسطينية على قائمة الارهاب.
وتقاطعني: هنا يبدو التقصير العربي. فالمقاومة قاومت، والشعب الفلسطيني، بذل كل ما يستطيع واقصى ما يستطيع، ولكن كعرب، نحن قصّرنا فكريا ونظريا. لا استطيع ان اصدق كيف نجحت الصهيونية بعد 11 ايلول ان تخلق مفهوما للارهاب وتطبّقه على الذين يقاومون لتحرير اراضيهم العربية. وأنا منذ اسبوعين كتبت مقالا باللغة الانقليزية عن مقتل رابين وكانت كل وسائل الاعلام تقول ان قاتله متعصّب يهودي، ولكن حينما قتل باقر الحكيم في العراق مثلا قيل لقد قتل من قبل ارهابي، وحين قتلت «آنا ليند» وزيرة خارجية السويد كلّهم قالوا انها قتلت من قبل مسيحي محافظ. لقد قارنت بين اعمال القتل الثلاثة وقلت حين يقتل يهودي فهو يقتل من قبل يهودي متعصب، وحين يقتل مسيحي فهو يقتل من قبل مسيحي محافظ، ولكن حين يقتل مسلم فهو يقتل من قبل ارهابي. إذن الارهاب خاص بالمسلمين مع ان القتل واحد، نحن لم ننظر لما فيه الكفاية وليست لنا مراكز فكرية وجامعاتنا اصبحت مدارس لا تخرج المفكرين والمنظرين الذين يضعون المرجعيات الفكرية لهذه الأمّة، هناك شأن خطير يحدث لها ومع ذلك قلّة تنتبه. من يضع المرجعيات الفكرية لهذه الامة. ذلك سؤال.
- سيدتي الوزيرة، هل تعتقدين ان المسألة، أو هذا الصراع الذي يحدث بيننا وبين الغرب (خصوصا امريكا) يعود الى عدم فهم وتفاهم ثقافي ام ا لى هجمة استعمارية جديدة، هي تفهمك كل الفهم ولكنها لنقل تريد ان تقتلك؟
لا هو راجع الى هجمة استعمارية جديدة، ولكن هذه الهجمة لا يوجد وراءها كل الغرب. هذا هو المفصل الهام بالنسبة لنا كعرب. عندما حصل الاستفتاء في اوروبا واعتبر الاوروبيون ان اسرائيل هي الرقم الاول في تهديد السلم العالمي، هذه اشارة هامة جدا لنا كعرب، وحين تتابع الاعلام الغربي وترى ان بيل كلينتون مثلا كتب مقالا هاما جدا يتحدّث عن طيش الادارة الامريكية، وان امريكا عليها البحث عن استراتيجيات مختلفة، ومنذ يومين كتب بريجنسكي مقالا هاما عن تهديد امريكا لأمن العالم ولذلك فهي تهدد امن مواطنيها في كل العالم لأن الشعب الامريكي جزء من هذا العالم!
- وأقاطعها، ومع ذلك فهما اللذان ساهما في حصار العراق، وفي إبادة شعبه وفي تبرير الهجمة عليه. بمعنى أن هذا كله قد يدخل في إطار تجاذب سياسي ما داخل امريكا؟
وتردّ: في التعامل مع اي عنصر من عناصر الصراع في الغرب علينا ان نكون برغماتيين، ان نأخذ ما نستطيع وان نعمل على المساحة التي نحن نستطيع ان نعمل من خلالها.
- هل توجد هذه المساحة مرة أخرى؟
موجودة، هذه المساحة موجودة في اوروبا مثلا هناك اصوات كثيرة تريد من العرب ان يكون لهم حضور. والحقيقة ان الكثير من الاوروبيين يقولون لي كونوا مع انفسكم حتى نستطيع ان نكون معكم.
- وقلت لها بمكر مطلوب وبغاية محددة، هل من هؤلاء الاصوات «آنا بالاثيو» وزيرة خارجية اسبانيا؟
وردّت بسرعة، هي منذ ايام عقدت مؤتمرا صحفيا ممتازا، تحدّثت فيه عن سوريا بشكل ممتاز.
- بعد ان زارتكم؟
نعم بعد ان زارت سوريا وتحدثت مع السيد الرئىس وأخذت وقتها في التحدث مع الناس ورجال الدين.
ودعني اقول لك ان الموقف من سوريا ومن العالم العربي في امريكا ناتج عن جهل بالموقف العربي والسوري. هذه حقيقة وهذا العمل يحتاج كما قلت الى عمل وتمويل وأبحاث واذا ادركنا عدد الابحاث التي تقام في الولايات المتحدة عن العرب وعن اسرائىل وعن الصراع العربي الصهيوني لا نتفاجأ بأنه لا قيمة لنا في كل هذا الحوار الدائر.
اننا بعيدون كل البعد عن كل هذه الابحاث التي تموّلها عشرات المراكز ويشتغل فيها مئات الباحثين كيف تريد اذن للآخرين ان يفهموا ما هو موقفنا، واعطيك مثلا واحدا، وهو مثل هام، اجتمع كل القادة العرب في مارس 2002 وتبنّوا مبادرة الامير عبد الله للسلام بأن الدول العربية كلها مستعدة لصنع السلام مع اسرائىل اذا انسحبت الى حدود الرابع من حزيران 67 .
صحيح؟
- فاجتاح شارون مناطق السلطة ودمّر وعربد. هذا كان ردّه؟
صحيح ونتيجة لذلك كان يجب للقادة العرب ان يرسلوا مبعوثين الى كل دول العالم يروّجوا لهذه المبادرة ليقولوا نحن نقدّم السلام وشارون يجتاح رام الله في اليوم التالي ويقتل ويدمّر.- سيدتي كل هذا قيل، وهذا معروف؟
قالت: هذا لم يقل.
- قلت الامير عبد الله ذاته سافر الى تكساس وقابل بوش وكل اركان الإدارة، فماذا كانت النتيجة؟
هذا ليس كافيا، جهد واحد، عمل واحد، ومبادرة واحدة، وسفرة واحدة، هذا ليس كافيا، حين يفعل الاسرائىليون شيئا يكرسّون له مئات الشخصيات التي تتحدث يوميا في مختلف وسائل الاعلام من رئيس حكومة الى وزير الخارجية الى ناطق رسمي، وغيرهم، انا ذهبت الى نيويورك في آذار 2003، وكان هناك اكثر من 200 شخصية مدعوة الى افطار ومعظمهم لم يسمع اصلا بالمبادرة العربية.
- قلت، هل تعتقدين حقا انهم لم يسمعوا بها؟
اعتقد وحتى اذا هم سمعوا يجب عليّ ان احدث ضجّة لأن مثل هذه المبادرة تصمّ الآذان وتجبرهم جميعا ان يصغوا وان يعرفوا انني انا الذي يقدّم السلام وان الآخر يقدّم الحرب والدمار. قد لا يغيّر هذا في جوهر السياسة، في الهجمة الامبريالية كما قلت في سؤالك، لان حكمهم صادر في كل الاحوال، وقد تكون هذه الهجمة ماضية الى اهدافها مهما فعلنا من علاقات عامة ومهما تحدثنا ولكن العمل الذي نقوم به في العلاقات العامة وان نقيم ضجة حول استراتيجيات تخصنا سوف يجبر الخمسين بالمائة الذين لا يعرفون اين يقفون في العالم الى الانتباه، هناك 10 اتخذوا هذا القرار لنقل الهجمة الامبريالية على هذه الأمة، وهؤلاء ضدنا مهما فعلنا، لا نقاش، وقد لا نتمكّن من تحويل رأيهم إلا اذا تحوّلت الظروف الدولية بشكل يخدمنا، ولكن لنقل ايضا ان هناك 60 من العالم غير معنيين بالشرق الأوسط برمّته، ولا يسمعون اخباره الا مرة في الشهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.