اختيار المربي المتقاعد: عثمان الهيشري (زاوية الجديدي) كنت أمتلك عددا لا بأس به من الكتب البيداغوجية ولأنني مع الأسف (ياسر ناس ملاح) فقد كنت كمدير مدرسة ابتدائية أفسح المجال لكافة الزملاء والزميلات الاطلاع عليها في كل وقت والاستفادة من مضامينها. وكثيرا ما يحصل أن يأخذوها معهم بعنوان (الاستعارة) ولكنها مع مرور الزمن تضيع بينهم فأسلم أمري إلى اللّه بعد أن أيأس من استرجاعها ولم يبق لي في أرشيفي إلا القليل منها. وفي الأيام الماضية بينما كنت أطالع مجموعة من النشرات التربوية (أيام كانت في عزها) إذ شدّ انتباهي ما اختاره الأستاذ المربي الفاضل «مصطفى نقبو» في تعريفه لكتاب بعنوان «بيت القصيد» من مقاطع شعرية للمربي الفاضل الأستاذ عبد المجيد شيبة. فارتأيت بدوري ان اروّح شيئا ما على نفوس القراء وخاصة للمربين منهم بتقديم مواقف أمتزج فيها النقد المبالغ فيه بالأسلوب المرح وبلغة يفهمها الجميع لشاعرنا المعني بالأمر. فضمن هذه القصائد قلب صاحبنا أحوال المعلم على جميع وجوهها. نظر إليه وهو في القسم فهاله ما رأى فرثى لحاله وأبّنه وهو حيّ. فانظر إلى هذه الأبيات والخطاب فيها لأحمد شوقي ردا على قوله: «قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا» يقول عبد المجيد في قصيد المعلم: يا أمير الشعر قسمي تعترف أن ليس ظلا وارفا وضليلا واحضر معي عبث الفروخ ولهوهم عبثاتر، وكفاك ذلك دليلا لو كان أيوب مكاني لاشتكى ولقال صبرا إن صبري عيلا إلى أن يقول: فالقسم حرب والشهيد معلم الله أكبر إن سقطت قتيلا ذلك شأن المعلم مع الأطفال واللّه يشهد ان هذا الحق، والمعلم المقصود هنا هو طبعا ذلك المتفاني في خدمة تلاميذه. أما علاقة المعلم بالمتفقد فإن السيد عبد المجيد شيبة يراها كما يلي في نفس قصيد المعلم: وإذا ابتليت وزارني متفقد وجدت نفسي بين الديار ذليلا نزلت أوامره عليّ بشدة فخبطت خبطا فاحشا ومهولا ذكّرت أمّا والأب أنثته ورفعت من تلعثمي المفعولا قال انتبه لما تقول مهددا فالصفر ليس عندي مستحيلا كيف السبيل لمنحة وتقدم مادام عرفي قاسيا وبخيلا؟ وله نفس التذمر وارد في قصيد «صنف أ» حيث يخضع المعلم ذو اللسانين وقتها لمتفقدين أحدهما للغة العربية والثاني للفرنسية وقد تتضارب أوامرهما فيحتار المعلم بين الاثنين: ونتيجة لكل ذلك فقد ساءت حال هذا المعلم المنقطع لدرسه من الناحية العائلية وخاصة علاقته بزوجته التي تأثرت جدا من جراء ذلك، يقول في قصيد «المعلم». هجرت بنت الناس منصرفا إلى كرارس معها سهرت طويلا بالخط والانشاء بات تغزلي وهواي أضحى النسخ والتكميلا إلى أن يقول: تى خشيت على المليحة ربما من غيرة عني تروم رحيلا طمأنتها كذبا عليها وأنني أرجو رضاها بكرة وأصيلا وختاما لحالة المعلم في القسم وما ينجر عنها إليك أيها المربي الفاضل هذه الأبيات الزاخرة بالمعاني يقول الشاعر: وزعت عمري في الجدار ودفتري فمضى سبهللا وصار قليلا زمرت في الساحات صبحي والمسا ومناضدي أشبعتها تطبيلا حيث البلاد مشرقا ومغربا صحراءها وجبالها وسهولا وحرمت من نعم الحضارة كلها فعشت دهرا في البعاد طويلا وأكلت خبزا يابسا ومصبرا وأنرت لي في ظلمتي قنديلا حتى اقتنيت لكي أرى نظارة إذ عاد نور المقلتين ضئيلا أمضيت دهري بين صبيان القرى جملا أبيع وأحرفا تفصيلا بمقابل بخس دعوه مرتبا هو دائما يشكو السقام هزيلا حتى إذا مضت السنون وجدتني أفنيت عقلي وابتنيت عقولا أكتفي في هذه الحلقة الأولى بهذا القدر مما جاش بخاطر الشاعر عبد المجيد شيبة فعبّر عنه بكل جوارحه وأحاسيسه. وما على السادة المربين إلا أن يقارنوا بين الأمس واليوم وإلى اللقاء في حلقة قادمة.