المربي المتقاعد : عثمان الهيشري (زاوية الجديدي بني خلاد) تبعا للمناشير الواردة عن وزارة التربية وعملا بالسنة الحميدة جرت العادة ان تقام حفلات اختتام السنة الدراسية لتكريم المتفوقين والمتقاعدين ومن نالهم شرف الحصول على وسام الاستحقاق التربوي. هذه الحفلات التي واكبتها في حياتي المهنية متفاوتة الحظوظ والاهتمام من مدرسة لأخرى لأسباب أذكر منها : 1) الفرق بين مدرسة ابتدائية وأخرى اعدادية ومعهد ثانوي. 2) تفاوت الموارد المالية لاستغلالها في هذه المناسب. 3) مساهمة البلديات والشعب وغيرهما من الجمعيات والمنظمات في شكل عينات او أموال وان كانت مشكورة، فإنها لا تفي بالحاجة اطلاقا. 4) ضيق الوقت نظرا لتعدد الضغوطات في شهر جوان وما تتطلبه من اعداد دقيق للاختبارات وتحرّ في الاصلاح وصب الاعداد وجمعها وتعمير بطاقات التقويم والسجلات انعقاد مجالس المعلمين واعداد مختلف التقارير والاحصائيات وقائمات الكتب والادوات المدرسية والتنظيم البيداغوجي المتوقع للعام المقبل الخ... 5) تخلف الكثيرين من المربين لمواصلتهم التكوين البيداغوجي. 6) اجراء هذه الحفلات على الصعيد المحلي في تاريخ موحد في كامل تراب الجمهورية لا يمكن المسؤولين والاطارات من تلبية دعوات الحضور الا في حفل أو حفلين مما يحز في نفوس من لم يشملهم هذا التشريف. 7) تفاوت تحمس الاطار التربوي ذاته تجاه هذه الظاهرة. ونتيجة لما سبق ذكره يصبح من الصعب توفر الاستعداد اللازم والكافي لاعداد حفل بما فيه أنشطة النوادي يليق بسمعة المؤسسة والتي يضطر بعضها الى الاستنجاد مثلا بدار الشباب لتقديم معظم الفقرت وهو ما اعتبره غير مقبول في نظري او اللجوء الى أقل التكاليف واسهل السبل بتسليم دفاتر المراسلة والجوائز داخل الاقسام وفي اجواء باهتة مع الاسف. لكن كل هذا لم يمنع الاغلبية من التضحية وتحمل الاتعاب لتمتيع المواطنين بحفل في المستوى. فبارك الله في أصحاب العزائم الصادقة. وفي هذا الاطار اذكر كيف كنت أولي أهمية كبرى لهذا الحدث وكيف كنت دائما على أعصابي. وبالرغم من توزيع الادوار بين الزميلات والزملاء فإني كنت أتدخل في كل كبيرة وصغيرة باعتباري المسؤول الاول والاخير، فإن حصل النجاح فهو للجميع وان كان الاخفاق فلن أواجهه الا بمفردي. وكان هذا يتطلب مني الصبر والثبات وتحمل العراقيل والصعوبات ويرهقني بدنيا وذهنيا ونفسانيا ولكني كنت أواصل المشوار ما دمت مؤمنا بقيمة هذه الاحتفالات وبمدى تأثيرها في نفوس الناس وهو ما كنت ألمس صداه كلما اعترضني أحد ولو بعد سنوات. وأذكر كيف كنت أمتنع عن الاكل والشرب في هذه المناسبات ولا يهدأ لي بال الا بعد ان أتأكد من علامات الرضى والاستحسان على محيى الحاضرين. ولا أخفي عليكم فقد مررت بعديد الطرائف والمآزق و(الغصرات) ساهمت كلها في تعكير مزاجي ولكن زملائي الافاضل تعودوا على انفعالاتي ويراعون دائما ظروفي ما داموا متأكدين من حسن نيتي. وكم مرة فكرت في الاكتفاء بتقديم حفلات بدون ان أكلف نفسي ما لا طاقة لها به ولكن ما بالطبع لا يتغير ومن شب على شيء شاب عليه اذ سرعان ما أتجاهل هذه (العكسيات) ما دام (القلب أبيض) وأسترجع أنفاسي وأعود أكثر مما كنت نشاطا وحماسا وأجري على الله. ومازلت احتفظ في أرشيفي بمحتوى هذه الحفلات صورة وصوتا منذ السبعينات. واسمحوا لي بأن أفتح قوسين لأؤكد على أهمية كتابة اسم التلميذ وقسمه والسنة الدراسية وعلى وضع طابع الادارة داخل كل جائزة. ومن يقول التكريم في ايام العلم يقول ايضا التوسيم. وحتى أكون صادقا معكم فإني كغيري أطمح في الحصول على الامتياز ولو ان المستحيل من الاسف قد ينتصر في النهاية، ولكم تساءلت عن مقاييس السلوك والابداع والخلق والابتكار الظفر بوسام الاستحقاق التربوي. ألا تكفي الانجازات والنجاحات التي تحققت طوال عقود؟ ألا تكفي الاستقامة في معظم المواقف والمحافظة على متانة العلاقات؟ ألا تعتبر التخلفات التي لم تتجاوز الاسبوع بعد مسيرة تربوية كاملة من الانجازات العجيبة؟ ألا يُعد حضور الأديب العظيم الفاضل الاستاذ محمد العروسي المطوي في الثمانينات مدة يوم كامل في مدرسة ريفية لتدارس موضوع الترغيب في المطالعة بحضور الاطارات التربوية والجهوية والمحلية ابداعا من الابداعات؟ ألا تكفي المسؤوليات التي تحملتها تربويا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا ودينيا ورياضيا وفي البلدية الخ... وشهادات الاعتراف والتقدير لي من قبل المسؤولين جهويا ومحليا والتي أحتفظ بها الى الآن؟ ألا تفي بالحاجة كتاباتي في النشرات التربوية وفي الصحافة في مختلف المواضيع منذ السبعينات الى اليوم؟ ألا يعد ابداعا ما يحتوي أرشيفي بالصوت والصورة والقلم منذ عقود لأهم الاحداث التربوية والسياسية والرياضية والاجتماعية والصحية والثقافية وغيرها من الداخل والخارج علاوة على الامور العائلية الخاصة؟ ألا تكفي التضحيات بالصحة وبأوقات الراحة المخصصة لي وللعائلة وبالنوم الغالي في عز الليالي؟ ألا يكف الاعتزاز والابداع بتخريج أجيال يفخر بها الوطن مستوى وأخلاقا؟ ألا يكفي ما جاء في الحديث الشريف : * لو لم أكن نبيا لكنت معلما ألا يكفي ما جاء على سان المربي الفاضل الشاعر عبد المجيد شيبة :