انتهى أحد قضاة التحقيق في محكمة سيدي بوزيد الابتدائية الى كشف غموض حادث مثير كان أودى بحياة امرأة وورط شابين قبل أن تتم تبرئة ساحة أحدهما. وقد شهدت القضية تطورات مذهلة في التتبع مماثلة لغرابة أحداثها مماجعلها تحاكي بعض الأشرطة السينمائية من حيث الإثارة والتشويق. بدأت أحداث هذه الواقعة الحقيقية يوم 19 جويلية الماضي في أحد مقاهي قرية الباطن من ولاية زغوان حيث جلس شاب أعزب (27 سنة) وحيدا، كان يحتسي قهوته لما أقبل عليه تاجر متزوج يبلغ من العمر 33 سنة. كان الأول يملك رخصة سياقة خاصة بالشاحنة وكان الثاني يملك شاحنة من نعو (OM.40) فكان هذا الموضوع سببا رئيسيا ووحيدا في اجتماعهما حول طاولة واحدة قبل أن ينطلق حديثهما ونقاشهما. * عجلات مهربة طلب صاحب الشاحنة من جليسه أن يساعده بمقابل على قيادتها ذهابا وإيابا بين قرية الباطن ومدينة سيدي علي بن عون (ولاية سيدي بوزيد). وأضاف مفسرا أن شخصا آخر يملك شاحنة خفيفة من نوع»أوسيزي» نجح في تهريب عدد ضخم من العجلات المطاطية من الجزائر الى تونس فأخفاها في مدينة سيدي علي بن عون في انتظار نقلها الى «الباطن». وسعى التاجر الى اقناع جليسه وابعاد الخوف عنه فأخبره بأنه أعد مع المهرب خطة محكمة تتمثل في تحولهم معا الى مكان العجلات المهربة فيتم رفعها في الشاحنة الثقيلة (ال OM.40) ثم يتولى المهرب كشف الطريق بشاحنته الخفيفة أي إنه يسبق الشاحنة الثقيلة ويخبرراكبيها هاتفيا عن وجود أي فرقة أمنية حتى يحترس منها. * مطاردة وافق الشاب الأعزب على المشاركة في المغامرة وتمت مراحلها الأولى حسب الخطة اذ أمكن نقل العجلات المهربة بسلام والسير بها نحو وجهتها في ساعة متأخرة من الليلة الفاصلة بين يومي 19 و20 جويلية مرورا بمدينة سيدي بوزيد لكن منعرجا خطيراحصل عندما اتصل المهرب هاتفيا بسائق الشاحنة الثقيلة وصاحبها ليعلماهما بوجود دورية أمنية وسط مدينة سيدي بوزيد فلم يجد غير تبديل مسارهما لكنهما تفطنا الى بداية الأزمة فقد لاحظا أن سيارة أمنية شرعت في مطاردتهما مستعملة المنبه والضوء الرفاف. فلما اقتربت أكثر منهما انعطف السائق الى اليمين وسلك مسلكا فلاحيا لا يعرفه من قبل ثم فوجئ بوصول العربة الى ساحة منزل ريفي آهل بالسكان فأوقفها علي حافة حظيرة للمواشي وخير الفرار مع مرافقه على الأقدام. لم يعلم أي واحد منهما في تلك اللحظة أن عربتهما دهست امرأة فقتلتها في الحين. * هلكت دون زوجها كانت الهالكة ( سنة) تنام مع زوجها (68 سنة) قبالة الحظيرة حيث توقفت الشاحنة ويبدو أن الزوج كان يغط في نوم عميق حتى إنه لم يشعر بما حدث. فلما علا الصياح وكثرت الجلبة فتح عينيه فوجد نفسه تحت الشاحنة بسلام فيما كانت زوجته منطرحة الى جانبه جسدا بلا روح. وقد واصل صاحب الشاحنة وسائقها هروبهما وعندما قطعا بعض الكيلومترات اتصلا عبر الهاتف الجوال بالمهرب وحددا له مكان وجودهما فسار نحوهما ونقلهما في عربته الى بلدة قريبة حيث قضوا بقية الليل. وفي صبيحة اليوم الموالي عادوا الى حيث الشاحنة الثقيلة لاستجلاء أمرها وأمر بضاعتها لكنهم لاحظوا اختفاءها فاستبعدوا فكرة استفسار العائلة المنكوبة وخيروا التحول الى مقر الديوانة بسيدي بوزيد قصد التوصل الى حل صلحي. * تراجع في انكاره ارتأى سائق الشاحنة المفقودة عدم مصاحبة مرافقيه فمكث ينتظرهما قرب محطة لسيارات الأجرة. وقد طال انتظاره فقرر في المساء العودة الى مسقط رأسه في سيارة أجرة. فلم يكد يصل حتى أبلغه شقيقه أن رجال الأمن قدموا للبحث عنه بعد تورطه في حادث مرور قاتل. ورغم انه لم يفهم شيئا من هذه التهمة فالواضح ان رجال الأمن ألقوا القبض على مرافقيه بمجرد تحولهم إلى مقر الديوانة وأخبروهما بما جرى وحصلوا منهما على معلومات سابقة الذكر وخاصة منها ما يتعلق بهوية السائق. وقد قضى هذا الشاب ليلته في منزل والديه ثم تحول صباحا إلى مركز الأمن حيث عرف تهمته لكنه أنكرها انكارا باتا وصرح أنه لم يقد الشاحنة وأنه اكتفى بمرافقه صاحبها أثناء قيادتها بنفسه لكن هذا الانكار لم يفده لأن النيابة العمومية قررت احالته على التحقيق مع صاحب الشاحنة فيما ظل الثالث (المهرب) تحت طائلة قضية التهريب فحسب وقد أكد صاحب الشاحنة أمام قاضي التحقيق ان عربته مؤمّنة وأنه لم يكن يقودها وقت حصول الحادث فيما تراجع الشاب الأعزب في أقواله السابقة واعترف بقيادة الشاحنة قبل أن يؤكد أنه لم يتفطن لضحيته ولم يسمع بخبرها إلا لاحقا فقرر قاضي التحقيق الاحتفاظ به واخلاء سبيل صاحب الشاحنة.