في الماضي كان هناك اعتقاد بأن سن اليأس مرحلة تمر بها المرأة فقط، لكن بمرور الوقت اثبتت الابحاث ان 30 من الرجال يمرون ايضا هذه المرحلة التي يطلقون عليها ازمة منتصف العمر. وتستند هذه الابحاث الى مجموعة من التغيرات الهرمونية والنفسية التي تطرأ على سلوك الرجل في هذه السن، حيث تنخفض نسبة الهرمون الذكري لديهم بواحد في المائة كل عام بعد سن الاربعين وحتى السبعين عاما وهو ما ينتج اعراضا شبيهة بتلك التي تظهر لدى المرأة في سن اليأس كضعف التركيز والشعور بالارهاق من اقل مجهود وفقدان الشهية والاكتئاب والتوتر بالاضافة الى المتاعب الجنسية. فكيف يعيش الرجل هذه الازمة وهل من سبيل لتجاوزها دون اضرار؟ رغم تأكيده بأن هذه الحالة لا تشمل جميع الرجال فإن الدكتور لطفي البوغانمي الاخصائي في الامراض النفسية يقر بأن نسبة كبيرة من الرجال تمر بما يعرف بازمة منتصف العمر. وتنعكس هذه الحالة من خلال تغيرات عديدة تطرأ على سلوك الرجل وتحدث عادة بين الاربعين والخمسين من العمر وفي حالات عديدة تستمر الى أكثر من ذلك. ويشعر المصاب بهذه الحالة بنوع من التمرد بداخله ونزعة في التحدي نتيجة هاجس الكبر الذي يبدأ في التضخم لديه فيسعى الى التعبير عن رفضه ذلك بطرق عديدة. ومن بين هذه الطرق هي تغيير المظهر فالكثير من الرجال يقومون بتغيير لون الشعر والشوارب لإخفاء كل اثر للزمن كما يقدم البعض على العمليات التجميلية بالاضافة الى النزوع الى بعض اللوكات الشبابية مثل قصة الشعر والملابس والاستماع الى الاغاني ذات الايقاع الخفيف. خطر نزعة التغيير ويعتبر الدكتور البوغانمي ان اخطر ما في هذه المرحلة هو سيطرة نزعة التغيير لدى هؤلاء الرجال، حيث ينتابهم شعور عارم بضرورة تغيير كل شيء في حياتهم ومعتقدين بذلك انهم بصدد اصلاح اخطاء رتكبوها. في بداية حياتهم خاصة ما يتعلق بالزواج ومن هنا يقول الدكتور البوغانمي تنشأ الكثير من المشاكل الزوجية نتيجة هذه الازمة التي قد تعصف بالعلاقة الزوجية لو لم يتم التعامل معها بجدية وتفهم.. ويسرد هذا الاخصائي على مسامعنا بعض القصص الواقعية التي لامسها من خلال تجربته العملية، مثل قصة تلك الفتاة الشابة التي اصيبت بأزمة نفسية نتيجة تصرفات والدها الصبيانية وما يخيم عنها من مشاكل عائلية. وتروي الفتاة ان والدها اظهر سلوكات غربية عندما قارب الخمسين من العمر حيث اصبح يتشبه بشاب مراهق في لباسه وميولاته وتصرّفاته ولم يعد يخجل من معاكسة الفتيات الصغيرات في سن بناته، وهو ما ادى الى توتر علاقته بزوجته وابنائه واصبح الشجار هو الخبز اليومي للعائلة. وكنتيجة لشعور ما بالخجل من تصرفات والدها وخوفها من انفصال والديها اصيبت الفتاة المذكورة بانهيار عصبي. حكاية وعبرة والحكايات عديدة في هذا السياق مثل قصة رجل الاعمال الناجح الذي كان يحسده الجميع على نجاحه في التوفيق بين طموحاته المهنية والعائلية. وفي غمرة نجاحه وسعادته بالاستقرار العائلي الذي كان يعيشه دبّت بداخله فجأة مشاعر متناقضة جعلته يتمرد على حياته ووضعه ليجد نفسه راغبا في تغيير كل شيء من حوله. وشيئا فشيئا سيطرت عليه تلك المشاعر الغريبة وبدأ في تغيير شكله اولا. حيث اصبح يبالغ في الاهتمام بمظهره ليبدو اصغر من عمره ودون ان يشعر دخل غمار المغامرات العاطفية فأصبح يتنقل من واحدة الى أخرى الى ان وقع في شراك فتاة تصغره بعشرين عاما اقنعته بالزواج منها وفي لحظة ضعف اقدم على هدم صرح زواجه الذي كان لسنوات مصدر سعادته واستقراره ونجاحاته وكانت تلك اول درجة في سلّم النزول، فحدث الطلاق وانقطع حتى عن زيارة ابنائه ولم تستمر المغامرة سوى اربع سنوات ليعود الزوج بعدها نادما باكيا على عتبة زوجته لكن بعد فوات الاوان حيث كانت هي قد قررت التفرّغ لأبنائها وعملها وطي صفحة الماضي بكل جراحاتها بينما بقي هو يعاني سكاكين الندم بعدما خسر كل امواله على سهراته وفتيات الليل ولم يبق له سوى الذكريات يصطلي بنارها.. والغاية من سرد هذه القصص حسب الدكتور البوغانمي هي التنبيه الى خطورة تداعيات ازمة منتصف العمر لو يتم التعامل معها بجدية وينصح هذا الاخصائي الرجال بضرورة التعامل مع مسألة التقدم في العمر بواقعية حيث ينبغي تقبّل كل مرحلة في السياق الطبيعي لتواصل الحياة مع عدم الرضوخ للهواجس والخوف من ازمة منتصف العمر واعتبارها غولا ينذر بالنهاية. ويقول هذا الاخصائي ان عديد الابحاث اكدت ان الرجل يحافظ على جميع قدراته الجنسية الى سن السبعين او ما اكثر وكذلك الشأن بالنسبة للرغبة الجنسية لدى النساء، وهو ما يدحض كل النظريات السابقة التي جاءت بخصوص سن اليأس بعد انقطاع الطمث عند المرأة. والدليل يقول الدكتور البوغانمي ان المرأة اليابانية لا تعرف مصطلح سن اليأس. وفي حالة حدوث اعراض تلك الحالة لدى البعض من الرجال ذوي التركيبة النفسية الخاصة فإن الامر يتطلب تفهّما كبيرا من قبل افراد العائلة اذ ينبغي معالجة هذه الحالة بالحوار وليس بالصدّ والهجران. واذا تعذّر ذلك ينبغي طلب مساعدة الاخصائي النفساني حتى تمر هذه المرحلة بأخف الاضرار.