أشياء كثيرة تبعث بداخلنا الخوف وتجعلنا نستسلم أحيانا لبعض المشاعر السلبية فنضطرب ونصاب بالتوتر دون سبب يذكر وهي حالة طبيعية يمر بها كل واحد منا في غمرة الحياة قبل أن ينجح في تجاوزها. واذا كان الخوف من المجهول شعورا إنسانيا يكاد يكون غريزيا بداخل كل إنسان فإنه عند المرأة يكون أكثر وقعا باعتبارها أكثر حساسية وارتباطا بالأشياء أكثر من الرجل، وهو ما يجعلها تعيش تحت سطوة الخوف من أمور عديدة وأكثر عرضة لذلك فما هي هذه الأشياء التي تخيف المرأة أكثر ومتى يتجاوز الخوف حدوده الطبيعية ليتحول الى حالة مرضية تتطلب العلاج النفسي؟ أسئلة طرحتها «الشروق» على بعض النساء قبل أن تستأنس برأي أحد الاخصائيين النفسانيين. مخاوف نسائية تعترف السيدة نبيلة بأنها تعيش حالة من الخوف الدائم من المجهول والشعور بفقدان الأمان وهو ما يجعلها متوترة ومضطربة دون سبب واضح. وتوضح هذه السيدة أن حالة الخوف ما فتئت تتعاظم لديها مع تقدمها في العمر. وتعود بذاكرتها الى طفولتها لتؤكد أنها عندما كانت طفلة كان هناك شيء واحد يخيفها وهو امكانية فقدان أحد والديها وقد ازداد ذلك الشعور ترسخا لديها بعد فقدانها لوالدتها وهي لا تزال لحد اليوم تحت هاجس هذا الشعور حيث تقول «أصبحت أخاف من أن أفقد أولادي أو زوجي في كل لحظة وهو احساس يعذبني ويجعلني متوترة». أما السيدة سامية فتعترف بأن الخوف قد تملكها بعد تجاوزها لسن الأربعين... وتوضح ذلك بقولها : «الجميع يعرف عني أنني امرأة شجاعة ومتفائلة، ناجحة في حياتي العملية والخاصة وأحمد الله على ذلك، لكنني بعد ما تجاوزت الأربعين أصبح شيء واحد يرهبني وهو فقداني لشبابي وما يمكن أن ينتج عن ذلك فأنا لا أتوقف لحظة عن التفكير في وضعي عندما تهاجم وجهي التجاعيد ويغزو الشيب رأسي وترهقني الأمراض وتزداد درجة خوفي عندما أفكر في زوجي وأطفالي وأتخيل في كل لحظة نفسي وحيدة بعد أن يهجرني زوجي إلى امرأة أكثر شبابا وينهمك أبنائي في بناء مستقبلهم، كل ذلك يعذبني ويجعلني أشعر بالتعاسة رغم أنني أحاول اخفاء ذلك عن المحيطين بي. الخوف من المرض كوثر، تعيش تحت وطأت هواجس عديدة لكن أكثرها هو خوفها من الاصابة بمرض خطير يبعدها عن عملها وحياتها ويحرمها من طفلتيها الصغيرتين. تقول كوثر كلما فكرت في ذلك أصاب بالتوتر ويتضاعف احساسي ذلك بعد سماعي لأي خبر عن وفاة أحدهم بسبب الاصابة بالمرض الخبيث فأجد نفسي استغرق في الحزن لأيام عديدة حتى أن النوم يهجرني وأصاب بالارهاق والشحوب. رأي مختص وإذا كانت هذه اعترافات بعض النساء حول مشاعر الخوف التي تتملكهن فإن الدكتور عطيل بينوس الأخصائي في الأمراض النفسية يؤكد أن الخوف من المجهول ومن أشياء معينة لا يتعلق بالمرأة وحدها بل أنها مخاوف عامة تصيب النساء والرجال معا لكنها تكون أكثر وقعا لدى المرأة لأسباب كثيرة تتعلق بالنشأة والمحيط الثقافي بالدرجة الأولى والتكوين الفزيولوجي بالدرجة الثانية. ويربط هذا الاخصائي سبب هذه المخاوف بدافعين غريزين يولدان مع الإنسان وهما غريزة الحياة وغريزة الموت. ويوضح أن غريزة الموت تكبر مع الإنسان وهي سبب القلق الذي يعانيه أي شخص عادي. لكن في بعض الأحيان تتغلب هذه الغريزة على غريزة الحياة فيصبح القلق هو السائد. وفي هذه الحالة يصبح الخوف حالة مرضية يعبر عن نفسه بأشكال متعددة مثل الإحساس بفقدان التواصل مع المحيطين وينتابه شعور بأنه منبوذ من الجميع. ومن المخاوف الأخرى تعاظم الشعور بالذنب دون مبرر كأن يشعر الشخص عند وفاة شخص آخر بالذنب أو أنه تسبب له في الأذى بطريقة أو بأخرى. وهناك الخوف دون سبب موضوعي كالخوف على فقدان الصحة والأبناء أو الزواج والخوف من الإقدام على قرارات جديدة والتردد المبالغ فيه مع فقدان الثقة بالنفس. ويشير نفس الاخصائي الى حالات أخرى من الخوف قد تنتاب الإنسان مثل الخوف من دخول الأماكن المغلقة أو المزدحمة أو الظلام وكل ذلك يبعث في النفس قلقا واضطرابا ويظهر هذا الخوف من خلال علامات فيزيولوجية يشعر بها الشخص المعني مثل تسارع دقات القلب والاحساس بالاختناق مع غصة في الحلق ورعشة في اليدين ولكن لماذا تستسلم المرأة لهذه المشاعر أكثر من الرجل؟ هذه المسألة يفسرها الدكتور عطيل بنوس بأن ذلك يرجع بالدرجة الأولى الى نشأة المرأة ومحيطها الثقافي. ويقول في هذا السياق أن المرأة بصفة عامة تتمتع بقدر أقل من الاستقلالية مقارنة بالرجل وهو ما يفسر تعلقها الشديد بالعائلة أولا ثم بالزوج والأبناء وهو ما يجعلها تشعر بخوف دائما من فقدان هؤلاء الأحبة سواء بالموت أو بالطلاق بالنسبة للزوج. أما بالنسبة للرجل فإن مشاغله متنوعة لذلك فإنه عندما يفقد شيئا ما سرعان ما يعوضه بالاضافة الى أن الحياة العائلية تكتسي أهمية أكبر بالنسبة للمرأة وهي أكثر ارتباطا عاطفيا بها من الرجل. وينصح هذا الاخصائي كل من تحول عنده الخوف الى حالة لا تطاق تسبب له الأرق والارهاق الى استشارة الأخصائي النفساني قبل أن تستفحل الحالة أكثر.