تونس (الشروق) تنادي عديد الأصوات الرجالية بضرورة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في كل المجالات.. فلا تفوّت هذه الأصوات أي فرصة تتاح لها خلال الندوات واللقاءات الفكرية للمطالبة بتحريك السواكن الرجالية وجعل مبدأ المساواة شاملا لكل نساء العالم. لكن عددا من هؤلاء لهنّ رأي آخر لا يقف عند حدود المساواة بل يتجاوزها، فهنّ يؤكدن على أن المرأة ليست مساوية للرجل فحسب وإنّما شريكة له.. وباعتبارها كذلك فإنه من الضروري أن يكون لها دور فاعل في مختلف مجالات الحياة. فأيّ دور للمرأة اليوم للنهوض بالمجتمعات العربية الاسلامية ؟ طرحنا هذا السؤال على عدد من المشاركات في ورشة التفكير «المرأة والمدرسة والمجتمع المدني في المجتمعات الاسلامية» التي نظمتها جامعة تونس المنار بالتعاون مع المؤسسة الألمانية «كونراد أدنور» يومي 16 و17 ديسمبر الجاري بأحد نزل الحمامات. * الدكتورة درّة محفوظ (أستاذة علم اجتماع): المطلوب تغيير العقلية السائدة أولا... تذكر الدكتورة درّة محفوظ، أستاذة علم اجتماع أن المرأة إذا كانت لا تتمتع بحقوقها كاملة فلا يمكن الحديث عن أيّ دور لها. وهي تذهب الى اعتبار أن المجتمع يتطور بجميع قواه الرجالية والنسائية وجهودهم تتكامل لذلك لا يمكن اقصاء المرأة عن أي تطور أو أي تحول فهي في صلب هذا المجتمع. وتضيف الدكتورة قائلة : «دور المرأة اليوم للنهوض بالمجتمعات العربية الاسلامية يبدأ من عائلتها، إذ يجب قبل كل شيء تقسيم الأدوار بينها وبين الرجل فمن غير المعقول أن تختصّ بالحضانة وحدها ونمنع عنها الولاية فالمسؤولية في رأيي واحدة. أما خارج عائلتها فدورها يحتّم عليها عدم السقوط في ظاهرة إبراز المفاتن من أجل الحصول على عمل أو تحقيق نجاح دراسي بل يجب أن تكون علاقتها بالرجل علاقة حوار واحترام وتفاعل أخوي. فلا تكون البضاعة التي يشتريها الرجل تبعا ل «ظاهرة العرض والطلب»، ففي رأيي فإن المرأة قادرة على القيام بنفس الدور الذي يقوم به الرجل ولكن بشرط أن تمنح فرصتها فلا نكبّلها أو نضع أمامها حواجز تعيق تحرّكها أو نهينها ونتعدّى على كرامتها، فهي من بني الانسان وتشترك مع الرجل في تحقيق التطور والتقدم للمجتمع، لذلك فإنّ كل شيء يمارسه الرجل في حياته اليومية يمكن أن تقوم به المرأة بل من حقها القيام به مثلها مثل الرجل. وهذا في رأيي يتطلب تغيير العقلية السائدة لدى الرجال وهو أنهم دائما الأفضل وأنهم مستقبل كل أمة. * الدكتورة منجية السويحي (جامعة الزيتونة): بإمكان المرأة تكريس القيم الدينية السمحة ترى الدكتورة منجية السويحي، أستاذة بجامعة الزيتونة، أن المرأة يمكنها أن تلعب اليوم دورا مهما للنهوض بالمجتمعات العربية الاسلامية من خلال ما تقدّمه من مجهودات من موقعها. وتواصل الاستاذة السويحي قائلة : «الأم تربّي أبناءها على قيم الدين السمحة وتغرس فيهم حبّ النّاس بدءا من أسرتهم النواة الى الممتدّة ووصولا إلى أفراد المجتمع، فإن استوعب الطفل هذا السلوك سلم المجتمع وقلّت الانحرافات وتماسك الأفراد». وتضيف الدكتورة منجية متحدّثة : «المرأة المثقفة في مجال العلوم الاسلامية يمكنها أن تعطي الكثير في هذا المجال عن طريق إبراز مافي النصوص التأسيسية : القرآن الكريم والسنّة الشريفة من مبادئ الاختلاف، لأن الاختلاف يؤسس للتعايش السلمي بين الأفراد. فمن يدرك أنه ليس الوحيد في الكون وأن الثقافات والأديان والحضارات متعددة فإنه يقبل الآخر ويتعايش معه وينتهي صدام الحضارات، إضافة الى هذا يمكن أن تستخرج المرأة المثقفة ما في هذه الحضارة الاسلامية من قيمة حرية الاعتقاد واليسر وإكرام الإنسان والحفاظ على الإنسان كفرد وكمجموعة لها مصالح متبادلة. والأهم من هذا كلّه إعادة قراءة النصوص المقدّسة بما يتلاءم مع الواقع والظروف العالمية الجديدة، وبما يتماشى وحقوق الإنسان مع الحفاظ على الهوية الوطنية للإنسان، وعندها فقط يمكن أن تصبح مقولة «الإسلام صالح لكل زمان ومكان مقولة فاعلة وصالحة في حدّ ذاتها. أما الإنكفاء على الذات واجترار الماضي والوقوف عندها بصورة تمجيدية وبمقولة أن «ليس في الإمكان أحسن ممّا كان» فهذا جذب الى الوراء وتعطيل للنص المقدّس عن مسايرة زمنه ودعوة الى جمود الفكر وتكلّسه وهو ما يرفضه العقل والشرع». * الدكتور إقبال الغربي (أستاذة علم نفس): تحديث المجتمع أول أدوار المرأة تعتبر الدكتورة إقبال الغربي، أستاذة علم نفس بجامعة الزيتونة، ان قضية المرأة قضية معقدة لا يمكن فصلها عن مكوّنات المجتمع الأخرى. وتضيف قائلة : «دور المرأة هو نفس دور الرجل في النهوض بالمجتمعات العربية الاسلامية. فالمرأة بمشاركتها للرجل يمكنها المساهمة في تحديث المجتمع وذلك عبر العديد من الآليات نذكر منها: أولا : تأسيس مجتمع الجدارة، إذ تكتسب المكانة الاجتماعية بفضل معايير الجدارة والكفاءة وليس حسب معايير الولاء أو الوراثة أو الانتماء إلى جنس الذكور أو الإناث. ثانيا : عبر تدعيم المجتمع المدني وتكريس مفهوم المواطنة المتعالي عن الانتماء إلى جنس الرجال أو النساء. ثالثا : تعميم ثقافة حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. أما بالنسبة للمرأة الباحثة الجامعية فهي من موقعها في مراكز البحث يمكنها بلورة مشروعية مزدوجة لتدعيم مكانة المرأة داخل المجتمع. وترتكز هذه المشروعية حسب قول الأستاذة إقبال على نقطتين : أولهما مرجعية تقليدية تعيد قراءة التراث وكتابة التاريخ لإعادة الاعتبار لدور المرأة ولإسهاماتها في جميع الميادين. ثانيهما : مرجعية حديثة تعتمد على المواثيق الدولية المناهضة للتمييز بين الجنسين. وهذا العمل في مجال التصوّرات والمخيال الاجتماعي يساهم في تدعيم مجهود ونضال المرأة. * الدكتورة ريم التريكي (المعهد العالي للعلوم الانسانية): المطلوب تفعيل دور المرأة في الحياة السياسي تؤكد الدكتورة ريم التريكي، أستاذة بالمعهد العالي للعلوم الانسانية بتونس، على أن يتحقق مبدأ الشراكة أولا بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات حتى نستطيع الحديث عن دور فاعل للمرأة للنهوض بالمجتمعات العربية الاسلامية. وتضيف قائلة : «في رأيي فإن التعليم هو المحرك الذي يقلع بالمرأة نحو الرقي لذلك فإن الأساس من تعليم المرأة هو أن يكون لها دور في المجتمع، وأيضا في الحياة المهنية. كما أن التعليم يجعل منها عنصرا فاعلا في عائلتها فهي الأم والمربية وهي التي تضمن التسلسل والتواصل للمجتمع وأىضا للتربية والأخلاق بين أجيال الغد، فالأطفال يتعلمون من المرأة أكثر مما يتعلمون من الرجل. أما خارج العائلة فيجب أن يكون لها حضور فاعل داخل النسيج الجمعياتي وتلعب دورا في ما يخصّ إعانة الطبقات المعوزة وتقديم المساعدة لها وخاصة المتقدمين في السن، لأن هؤلاء قد يجدون أنفسهم في يوم ما في مآوى العجز بعيدا عن عائلاتهم. ودور المرأة هنا هو الاعتناء بهم داخل عائلاتهم». وتواصل الأستاذة ريم التريكي قائلة : «هناك دور آخر يتعلق بمشاركتها في الحياة السياسية، وطبعا هذا الدور لا يمكنها أن تخوضه إلا إذا كانت متعلّمة، مثل بقية الأدوار، فالمرأة عادة ترفض خوض تجربة العمل السياسي ولا تبادر إلى ذلك عدا البعض ممّن يخضن هذه التجربة. فأنا أعرف العديد من النساء بلغن مستوى رفيعا في وظائفهن ورغم ذلك يرفضن الدخول في تجربة العمل السياسي، رغم أنّ دورها يجب أن يُسجّل في هذا المجال.