ما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه الغد بما نحن فيه وبما مضى من الأيام.. أيام عصيبة، سنوات، حقب تمرّ بها الأمة العربية، أقول الأمّة، ولا أقول الأقطار العربية لأنني مؤمن بما أقول حتى النفس الأخير. رأيت أمتنا العربية تتجرّع المرارة وهي صامتة، ورأيت المؤامرات تُحاك ضدّها، وتنفذ على أرضها أشدّ الخطط مضاضة وضراوة، والعيون شاخصة والارادات في سكون. يقول الاعداء لنا بأننا متخلّفون، وأن حضارتنا متخلّفة، وأن ديننا متخلّف، وأن ثقافتنا متخلّفة، وأننا لا نستحق تسيير شؤوننا، ولا امتلاك قدرنا، ولا التمسّك بهويتنا وأن المجموعة الحاكمة في الولاياتالمتحدة، وهي لفيف من الصهيونية المتشددة، والمسيحية الجديدة، أنه لزام على العرب أن يغيّروا دينهم وثقافتهم، ويتخلّوا طوعا عن حضارتهم، ويبدّلوا برامج تعليمهم، ويصرفوا علماءهم عن البحث والدراسة، وأن يتخلّوا عن ثرواتهم الطبيعية لفائدة هذا اللفيف الحاكم، وشركاته الكبرى وإلا فالويل والثبور لمن يقول لا.. الويل والثبور والدمار والموت والاستعمار لمن يتجرّأ على الوقوف أمام هذه الاستراتيجية الجهنمية. إن ما جرى في العراق وما يجري الآن هو شاهد على ضراوة الهمجية الشرسة على الأمة العربية، وهم، أي اللفيف الاستعماري الجديد، يرسلون رسالة واضحة الى كل عربي المسؤول السياسي أولا، والمثقف ورجل الشارع ثانيا حتى يسلّموا بالواقع الجديد، إما دفاعا عن مصلحة ضيقة وإما خوفا، وإما أملا في أن ينزّل اللّه جنودا من السماء تحارب الاستعمار الجديد بدلا عنهم. إن شمس العام القادم، ستشرق على أرض هذه الأمة العربية والمشهد السياسي والثقافي والاقتصادي أكثر قتامة من أي فترة مرّت على العرب منذ أن عرفت الدنيا العرب، وهذا محزن جدا. فقط هناك بعض الأصوات المنعزلة المعزولة قهرا وقصدا ستظلّ ترتفع هنا وهناك لتدين الجريمة وتدين الصمت على الجريمة لكنها أصوات مسلوبة الفعل والحركة تتلاشى وسط الصمت المهين. ستشرق شمس العام الجديد، وكل ما سيستمع إليه منا، العالم من حولنا، هو التنديد والاستنكار والاحتجاج بدرجات مختلفة. سنندد بالهجمة الاستعمارية، وباحتلال الأراضي العربية، وبتهديم البيوت وتشريد آلاف العائلات في العراق وفلسطين، وبقطع ملايين أشجار النخيل في الأرض العراقية، وملايين أشجار الزيتون في فلسطين، سنندّد ساسة ورجال فكر، وعلماء وأدباء ونقابيين وطلبة بضرب العراقيين بمختلف الأسلحة المحظورة دوليا، وباصطياد أطفال الحجارة في فلسطين. وسنندّد في نفس الوقت مجاملة لهذا اللفيف البغيض بأولئك الذين يفجرون أنفسهم أمام الدبابات الاسرائيلية والأمريكية دفاعا عن الأرض والعرض العربيين، سنندّد أيضا بالمنظمات الانسانية التي تمدّ يد المساعدة لعائلات المقاومة في فلسطين والعراق خوفا من أن نوضع على قائمة الإرهاب التي يلوح بها اللفيف الاستعماري في وجه كل دولة عربية تدفعها عروبتها الى الدفاع عن المقدسات ورموز الوطن وثوابت الانتماء الى العروبة. لكن الذي يجب أن ندركه جيدا، ويدركه هذا اللفيف الاستعماري أولا أنه مهما تنمّرت الصهيونية والمسيحية الجديدة ضد الأمة العربية، ومهما بدت وجوه العرب ساكنة صامتة مستسلمة في هذا الوقت العصيب، فإنها تنطوي على إيمان عميق بالهوية، وإيمان عميق أيضا بضرورة مقاومة مخططات الاستيلاء على الثروة الاقتصادية العربية ابتداء من نفط العراق الذي استبيح والمعالم الحضارية والتاريخية والثقافية التي إمّا دمّرت وإمّا شوّهت وإمّا نهبت في بغداد والقدس وسائر المدن المحيطة بهما. إنّ الملايين من العرب الذين شاهدوا على شاشات التلفزة ما فعلته اليد الاستعمارية الآثمة بأحد رؤساء هذه الأمة، استهانة بالحمية العربية، والدم العربي.. هذه الملايين أدركت مدى الحقد الذي تحمله التهمة الاستعمارية الجديدة للجنس العربي أولا والاسلامي ثانيا. ليس هناك بديل أمام العرب من الخليج الى المحيط عن المقاومة فكرا وثقافة واقتصادا ومواجهة بكل أصنافها. فإذا كان هذا اللفيف الاستعماري يريد حرمان العرب من العلم والثقافة ووضع علمائهم ومثقفيهم في السجون والإقامة الجبرية حتى تموت فيهم الأحلام الكبيرة التي بها تسمو الأوطان وتشاد الحضارات فإن العرب بمختلف شرائحهم قد أصبحوا على بيّنة بأنهم مستهدفون في عزّتهم وكرامتهم وإنسانيتهم، وليس أمامهم إلا الدفاع عن هذه الثوابت بكل ما أوتوا من أسباب القوة الروحية والمادية.