نظرت الدائرة الجنائية الثالثة بالمحكمة الابتدائية بتونس يوم الثلاثاء الفائت في قضية تهريب من الحجم الثقيل تورّط فيها عدد من الشبان من ثلاثة بلدان مغاربية وعون بالديوانة التونسية، وقد وجهت لهم تهم التهريب وتحويل بضاعة الى غير مكانها المخصص وارتكاب ما من شأنه الاضرار بالادارة.. وتفيد وقائع القضية أن شخصا من دولة مغاربية وهو المتهم الرئيسي تمكن من الحصول على الاقامة بالبلاد التونسية وأصبح يمارس مهنة التجارة ثم طوّر في أساليب عمله، ليصبح متنقلا بين إحدى الدول المغاربية وتونس، فيستورد كميات كبيرة من البضائع بشتى أنواعها، ثم يقوم لاحقا بالتوجّه الى مطار تونسقرطاج الدولي حيث يبلغ بخروج البضاعة نحو احدى الدول المجاورة فيتم محوها من جواز سفره ويوهم بالسفر ثم بمجرد إتمام عملية شحن البضاعة يتمكن من الهرب والعودة الى تونس لتستقبل بضاعته لاحقا في الدولة المتوجهة اليها من قبل متعاونين معه. وقد كرّر هذه العملية في العديد من المناسبات حتى تعرّف على شخص من دولة مجاورة أيضا فقام بإرساله ليستورد بضائع ثم وعده بأن يتمّ محوها من جواز سفره مقابل عمولة يقدمها له، وأمكن للمتهم الرئيسي، حسب تصريحاته، خلال كل هذه العمليات من التعرّف على عون بالديوانة التونسية يشتغل بمطار تونسقرطاج الدولي، فأصبح يتعامل معه، إذ يعمد العون الى ختم جواز سفر المتهم أو من معه على أنه أخرج بضاعة وبالتالي تُمحى من جوازه مهما كانت نوعية البضاعة وقيمتها، ويتمكن لاحقا هذا المتهم من البقاء في تونس رغم الابلاغ على أنه غادرها. إلا أنه، وفي آخر عملية نصب يقوم بها، قدم جواز سفره كالعادة للقيام بنفس الاجراءات، غير أنه، ومن سوء حظه، أن وجد عونا آخر بالديوانة ليتفطن الى تلاعب حاصل من خلال تسجيل خروج البضائع دون خروج صاحبها، فتم إعلام أعوان الأمن بالمكان، الذين أعلموا بدورهم ممثل النيابة العمومية بابتدائية تونس الذي أذن بفتح محضر تحقيقي في الموضوع. وبالتحرير على المتهم الرئيسي اعترف بكل ما قام به مدليا بشركائه الذين من بينهم المواطن المغاربي وعون الديوانة الذي استطاع التعرّف عليه أثناء التحقيقات خلال عرضه صحبة زملاء له. وبمساءلة كافة المتهمين اعترفوا بتورطهم في عملية التهريب بهذه الطريقة، وهي طريقة تعتمد على الايهام بالاستيراد والتوريد دون أن يكون لها سند قانوني، فضلا عن التلاعب بطابع الدولة المتمثل في ختم الديوانة والاستفادة من الوظيف وتحويل البضائع الى وجهة غير وجهتها المخصوصة. وبعد إتمام الابحاث أحيل المتهمون على أنظار أحد قضاة التحقيق بابتدائية تونس حيث اعترف المتهمان الاول والثاني فيما تراجع عون الديوانة عن أقواله التي أدلى بها لدى باحث البداية نافيا أقوال المتهم الرئيسي وطاعنا في طريقة عرضه عليه صحبة زملائه. وأصدرت إثر ذلك النيابة العمومية بطاقة إيداع بالسجن ضد كل المتهمين بعد أن وجّهت اليهم تهما متعلقة بالتهريب واستغلال الوظيف... وساندت ذلك دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس التي قررت إحالتهم على الدائرة الجنائية المختصة بالمحكمة الابتدائية، وبمثولهم يوم الثلاثاء الفائت تمسك كل منهم بأقواله التي أدلى بها أمام قلم التحقيق فيما تراجع اثنان منهم عن أقوالهما التي أدليا بها لدى باحث البداية. وساندهم لسان الدفاع الذي طلب من المحكمة اعتبار الجرائم المقترفة من قبيل الجرائم الديوانية وبالتالي تخطئتهم والنزول بالعقاب الى أدناه القانوني، فيما طلب بتبرئة عون الديوانة المتهم والقضاء في شأنه بعدم سماع الدعوى خاصة بعدما أثبت التقرير الصادر عن أحد الخبراء أن ختم الديوانة المدوّن بجواز السفر غير مفتعل وأن الخط المرافق له لا تشبه خاصياته وتفاصيله خط المتهم. وطلبت النيابة العمومية المحاكمة وفقا لفصول الاحالة وتمسك ممثل الديوانة التونسية بمطالب الادارة المدوّنة في التقرير الذي تقدمت به الى هيئة المحكمة وبعد سماع كافة أطراف القضية قررت الدائرة الجنائية التصريح بالحكم بعد المفاوضة القانونية.