سجين أصبح بعد خروجه من السجن مديرا عاما للسجون، واليا متشددا إلى حدّ أن البعض وصفه «بالحجاج بن يوسف» أثناء وجوده على رأس ولاية القيروان. ذلك هو «عمر شاشية» الزيتوني المقرب من الزعيم بورقيبة، ابن الفلاح البسيط في بلدة بني خلاد الذي اعتلى مناصب قيادية في الدولة ولعب دورا خطيرا ومهما في اخماد ما عرف حينها «بالفتنة اليوسفية» وكان مسؤولا عن أحد معتقلات اليوسفيين بمنطقة سيدي بن عيسى ببني خلاد. اعتبره البعض أحد مهندسي ومنفذي برنامج التعاضد في تونس في الوقت الذي كان هو في منصب وال ويشرف على مساحات واسعة من مناطق الجمهورية. عمر شاشية الذي لا يزال الكثيرون ينسجون حوله الحكايات باعتباره واحدا من أكثر ولاة بورقيبة نفوذا قدّم في الجزء الثاني والأخير من شهادته أمام مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بزغوان تفاصيل حول دخوله للسجن ثم تعيينه مديرا عاما للسجون كما كشف الكثير من تفاصيل التحقيق معه في ثكنة «القصبة» من طرف بعض الضباط وكان الباهي الأدغم من بين المحققين. وبجرأة كبيرة أعلن عمر شاشية أمام الحاضرين اعتذاره الصريح للشعب التونسي وخاصة لسكان وأهالي القيروان عن كل الأخطاء غير المقصودة التي ارتكبها في حقهم وهو اعتذار يأتي بعد أكثر من أربعة عقود على تحمّل عمر شاشية مسؤوليات عليا في الدولة. اللقاء مع عمر شاشية قدمه الدكتور عبد الجليل التميمي واحد من أبرز أساتذة التاريخ وصاحب مؤسسة التميمي بزغوان. بشجاعة كبيرة وبتحمل تام للمسؤولية أعلن عمر شاشية أحد أشهر الولاة في العهد البورقيبي خلال تقديمه لشهادته يوم السبت الماضي على منبر مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بزغوان اعتذاره للشعب التونسي وخاصة لأهالي القيروان عن كل الأخطاء التي قد يكون ارتكبها في حقهم أثناء تحمله للمسؤولية. وقال عمر شاشية: «لقد اجتهدت وكانت نيتي طيبة وكنت أسعى لخدمة الشعب لكن قد أكون أخطأت والآن ضميري مرتاح». وأضاف شاشية: «لست نادما على شيء حتى في فترة وجود ما يسمى بلجان الرعاية كنت مرتاح الضمير وكانت مهمتي حينها فقط في بلدة بني خلاد. وقال «أعتذر للشعب التونسي إذا ما قمت بعمل سيء وكنت أعتقد أنه مفيد له». عمر شاشية الذي كان أحد المقربين من أحمد بن صالح السياسي التونسي الذي ارتبط اسمه بتجربة التعاضد وكان السياسي الوحيد على مرّ تاريخ الدولة التونسية الذي تقلد منصب خمس وزارات في وقت واحد دافع عن تجربة التعاضد وتحدث عن حماس التونسيين حينها لها دون أن ينفي بعد ذلك حدوث ما أسماه ب»المصائب». يقول عمر شاشية: «لست من طبقة بورجوازية بل كنت أنتمي إلى طبقة شعبية ومن أصول فلاحية وخلال مباشرتي لمختلف المسؤوليات كنت مدفوعا بتأثير أصولي الفلاحية الشعبية». وعند حديثه عن التعاضد بين عمر شاشية بأن التعاضد انطلق بانشاء تعاضديات الخدمات وكانت أول تعاضدية أنشئت في سليمان ثم تكونت تعاضدية أخرى في بني خلاد وهي موجودة إلى الآن. وقال عمر شاشية انه لم يتم اجبار المواطنين على التعاضد بل كانت هناك رغبة كبيرة منهم في الاندفاع نحو التعاضد وكانت هناك نواحي ايجابية دعمت ذلك التوجه. ودافع عمر شاشية عن اجراء تقليع أشجار الزيتون وهو الاجراء الذي شمل حينها غابات كثيرة من الزياتين قائلا انه كان رحمة للفلاحين فالكثير من أشجار الزياتين كانت هرمة وغير منتجة وتم تعويضها بغراسة أشجار مثمرة وهو ما رحب به الكثير من الفلاحين. وكدليل على اندفاع المواطنين والفلاحين لاقتلاع أشجار الزيتون قال عمر شاشية: «كان المرحوم الصادق المقدم في زيارة لمساكن وكانت أشجار الزياتين يتم اقتلاعها بالحبال وعندما أراد الصادق المقدم المشاركة بجذب الحبل لم يتسن له ذلك نظرا لاندفاع المواطنين فعلق قائلا: «حتى الحبل ما فيشو فضاء». وأضاف عمر شاشية عند اقتلاع أشجار الزيتون تم استخراج كميات كبيرة من الأحجار وتخصيصها لبناء المساكن وهو ما جعل فائدة الفلاحين كبيرة جداوقال كنا غير متشددين في اقتلاع أشجار الزيتون لأننا وجدنا استعدادا من المواطنين. واستدرك عمر شاشية ليقول: «ألوم كل المسؤولين حينها بمن فيهم أنا». وأضاف: «ربما عدم شجاعة المواطن وعدم اصداعه برأيه جعلتنا نواصل التجربة». ونفى شاشية أن يكون قد تمت مصادرة الأراضي وافتكاكها من الفلاحين مؤكدا ان «بورقيبة» و»بن صالح» كانا يريدان الخير للشعب التونسي ونفى شاشية أن يكون هو أو أحد أفراد عائلته قد استفاد من تجربة التعاضد أو امتلكو أشجار الزيتون. وروى شاشية قصة امتلاك الزعيم «بورقيبة» بأحد مناطق الساحل لسبعة أشجار زيتون عن طريق الميراث وكانت تتولى استغلالها قريبته سعيدة ساسي وأثناء تجربة التعاضد تولى «بورقيبة» الاتصال بعمر شاشية وطلب منه أن يهب تلك الأشجار إلى التعاضدية وهي المرة الأولى التي علم بها شاشية أن «بورقيبة» كان يملك سبع أشجار زيتون وكانت هذه الاشجار تحت مسؤولية أحد العمد الذي يتولى ارسال زيوتها إلى سعيدة ساسي. واعترف شاشية في شهادته بحدوث ما أسماه بانعكاسات ومصائب أثناء تجربة التعاضد رغم تشجيع الناس لهذه التجربة وتصفيقهم وهتافهم ومناداتهم بالتعاضد. مظاهرة وحول مظاهرة 1964 في مساكن ضدّ التعاضد وضدّ تقليع أشجار الزيتون والتي اتخذت قيادة الحزب على اثرها قرارا بحلّ سبع شعب دستورية وتهديد «بورقيبة» باستعمال سياسة العصا الغليظة بعد القبض على عشرات المواطنين. قال عمر شاشية: «ان هناك ردود فعل من المواطنين وقد تم اتخاذ كل الاحتياطات الأمنية خاصة خوفا من اتساع دائرة ردود الفعل وكانت الدولة تتدخل عند كل اخلال بالأمن». انقلاب لم يقبل عمر شاشية الاجابة بصراحة على سؤال يهم أسباب انقلاب «بورقيبة» على أحمد بن صالح وقال انه موضوع سياسي!!! ولكنه شاشية أكد ان «بورقيبة» كانت له ثقة كبيرة جدا ببن صالح لكن «بورقيبة» كان في نفس الوقت مقتنعا بأن صحته لا تسمح له بأن يواصل كما كان مقتنعا بأن الكثير من المواطنين غير راضين بالنهج الذي كان يسلكه. سجن لم يكن عمر شاشية البورقيبي حتى النخاع والوالي الذي ينفذ كل أوامر «بورقيبة» بانضباط كبير يعلم ان الزعيم «بورقيبة» سيلقي به في زنزانات السجن المدني بالعاصمة. وجد شاشية نفسه في أحد شهور سنة 1969 في زنزانة الحبس الانفرادي بالسجن المدني يتعرض كما أكد هو للتعذيب والضرب.. خمس سنوات كاملة قضاها «الوالي» صاحب النفوذ الكبير بين جدران السجن. يقول عمر شاشية الذي اعتبر نفسه كبش فداء لسياسة عارضها الشعب وهي سياسة التعاضد: «تأثرت كثيرا عندما كنت في السجن المدني واتصل بي مدير السجن وطلب مني الخروج في ساعة متأخرة من الليل للمثول أمام التحقيق». يقول شاشية كان الجوّ باردا جدّا وتم حملي في سيارة إلى الثكنة العسكرية بالقصبة وحبسي في زنزانة حتى الصباح. بعدها أتاني أحد الضباط وقال لي: «يجب أن تقول في التحقيق أنك وأحمد بن صالح تريدان اغتيال الزعيم «بورقيبة» وإلا سيتم اعدامك». ويضيف: «رفضت ما قاله لي ذلك الضابط العسكري وفي المساء حملوني إلى مكتب وزير الدفاع فوجدت الباهي الأدغم الذي خاطبني بالكثير من الكلام السيء وقال لي «سأيتّم أولادك» وانك وبن صالح تريدان اغتيال «بورقيبة». ويضيف عمر شاشية واصل «الباهي الأدغم» كلامه لي وقال: «كنت مسؤولا على ثلث الجمهورية وعثت فيها فسادا». بعدها عاد شاشية إلى الزنزانة في ثكنة القصبة لتتم دعوته من جديد من طرف «الباجي قائد السبسي» في مكتبه وناوله قهوة وطلب منه أن يتمسك بأقواله. ظل عمر شاشية في السجن خمس سنوات قضى الفترة الأخيرة منها يعمل كممرض في السجن ولكنه يذكر ألامها وعذابها إلى ان التقى «ببورقيبة» أثناء زيارته إلى السجن المدني بتونس وبعدها غادر زنزانات السجن وغرف الحبس الانفرادي. ربما لم يكن يدري أي كان بما في ذلك عمر شاشية نفسه أنه سيعين بعد ذلك مديرا عاما للسجون كان ذلك في الفترة بين 1981 و1985 . تحول السجين إلى مدير عام للسجون وصار كل السجانين في السجون التونسية ينفذون أوامره ورهن اشارته. يقول عمر شاشية عملت على تحسين ظروف السجن والسجناء وأذنت بشراء أجهزة تلفزة لكل غرف السجون وتمّ تمكين المساجين من إدخال «القفة» كل يوم من طرف عائلاتهم وتغيرت بذلك حالة السجون التونسية. لعمر شاشية علاقة متطورة ب»وسيلة بورقيبة» صاحبة النفوذ في أيام حكم «بورقيبة» وقد أكد شاشية ان «وسيلة» كانت «حنينة» جدا وتعطف على المواطنين وتولت اهداء الكثير من المساكن للمحتاجين وتقديم المال لهم لتجهيزها وتأثيثها نافيا أن تكون ل»وسيلة» أملاك في الخارج. وتحدث شاشية عن حبّ «بورقيبة» الكبير ل»وسيلة» وكيف نصحه بالزواج منها عندما تحدث له في مكتبه بقصر السعادة بالمرسى في حين عارض «الجلولي فارس» و»المنجي سليم» أمر زواج «بورقيبة» من «وسيلة». ويكشف شاشية بأن «وسيلة» لم توافق على سياسة التعاضد ولكنها لم تلعب دورا ضدّ تلك السياسة بل انها كانت في الكثير من الأحيان تلفت نظر «أحمد بن صالح» لبعض الأشياء وكانت تربطها به علاقة احترام. بن صالح وحول رأيه في «أحمد بن صالح» صاحب الوزارات الخمس في حقبة التعاضد قال شاشية: «إن «بورقيبة» قال في أحد المناسبات: «إن اللّه أنعم على تونس حين منحها «أحمد بن صالح». وأكد عمر شاشية: «إن «بن صالح» له طاقة كبيرة على العمل وبذل الجهد وكان يسعى إلى خير الشعب التونسي». وأضاف شاسية: «إنني أعتز جدا «ببن صالح» كما أنني أكن كل الحب للزعيم «بورقيبة» حتى في الفترة التي سجنت فيها». كان لابدّ أن يسأل عمر شاشية الوالي صاحب النفوذ أثناء تقديمه لشهادته عن الحكايات التي كانت تروى عنه وأهمها علاقته ببعض الفنانات وحبه للسهرات التي كان ينظمها و»للأجواء الخاصة» التي كانت تستهويه. عمر شاشية أجاب عن هذا السؤال بأن حياته عرفت ارتكاب بعض السلبيات والأخطاء وبأنه كانت له حياته الخاصة فعلا. وقال: «ان كل الناس لهم الحق في الانتقاد ولكن أطلب منهم أن لا ينسوا ما قمت به وما أنجزته لفائدتهم». بعد أكثر من 40 سنة تأتي اعترافات عمر شاشية الشخصية السياسية التي شغلت الناس زمن الستينات في القيروان وفي سوسة وفي نابل وبعد كل هذه السنوات يأتي اعتذار عمر شاشية للشعب التونسي ولأهالي وسكان القيروان خاصة.