"نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يتحدثون عن تاريخ عشناه ولم نجده في كتاباتهم
أحمد بن صالح في سيمنار الذاكرة الوطنية» : لم أكن شيوعيا.. التعاضد ليس ايديولوجيا... ومنهجنا كان وسطيا وتونسيا خالصا
نشر في الشعب يوم 01 - 09 - 2007

«جئت لتصحيح بعض الاخطاء» هكذا تحدث السيد أحمد بن صالح الوزير متعدد الحقائب في الستينيات من القرن الماضي والمناضل النقابي ذائع الصيت وطنيا ودوليا ورجل السياسة الذي «تذوّق» المناصب الوزارية والسجن والمنفى.
حديث بن صالح كان في مؤسسة التميمي للبحث والمعلومات التي خصصت له يوم السبت 25 اوت 2007 احد منتدياتها المسماة ب «سيمنار الذاكرة الوطنية» علما ان تقديم الدكتور عبد الجليل التميمي للندوة ولاحمد بن صالح كان مبتورا حيث اعتنى بوصفه ب «الرجل الاستثنائي» وبذكر خصاله ومزاياه دون أن يكشف لنا عن السبب الحقيقي لهذه الاستضافة.
لكن أسئلة بعض الحاضرين وفي مقدمتهم السادة محمد ضيف الله وأحمد الجدي وعبد اللطيف الحناشي وعلية العلاني (اساتذة جامعيون مختصون في التاريخ المعاصر) بالاضافة الى السيد عمر فضة دفعت بالضيف للكشف عن انه طلب من الدكتور التميمي ان يفتح له هذا المنبر لتصحيح بعض الاخطاء الواردة في عدد من المجلات والصحف التونسية والعربية في ما يتعلق بثلاث قضايا رئيسيه، الاولى عن تجربة التعاضد وخفاياها وملابساتها والثانية عن علاقته باليهود والثالثة عن موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من «الصراع البورقيبي اليوسفي»
ومن الطبيعي ان يكون الحديث في هذه القضايا الثلاث الكبرى ذا شجون، ونظرا للكم الهائل من المعلومات والمعطيات والحقائق التي كشف عنها السيد احمد بن صالح في لقاء الساعات الست فقد اخترنا في جريدة «الشعب» ان نؤمّن نقلا تفصيليا لما جاء في هذا اللقاء المرجع وذلك حتى نمد عموم قرائنا والنقابيين بشكل خاص بما يمكن ان نسميه بالوثيقة المرجعية التي سننشرها على أكثر من حلقة.
الكذب من التاريخ الى الواقع
استهلّ الاستاذ احمد بن صالح مداخلته الاولى التي تجاوز مداها الزمني الساعتين بالتذكير بمحتوى نص للعلاّمة عبد الرحمان بن خلدون عن حقيقة التاريخ كان قد اعطى منه نسخة للدكتور التميمي حتى يوزّعه على الذين «يكتبون التاريخ الذي عشناه ولم نجده في كتاباتهم» مبرزا ان نتائج الكذب في التاريخ اشد وطأة من الكذب في الواقع لان النوع الاول من الكذب تترتب عنه نتائج وخيمة تنطلق من التاريخ ذاته لتمتد الى الواقع.
وعبّر بن صالح عن انه صُدم في كثير من الهزات برجال ونساء من ذلك ان استاذة جامعية جلست اليه وسألته عن سبب «تبنّي» بن صالح للشيوعية؟! وقد انفق ثلاثة ارباع الساعة ليوضح لها انه لم يكن شيوعيا في اي مرحلة من مراحل حياته من ذلك انه عندما كان في العشرين من عمره كان كاتبا عاما لشعبة دستورية (بفرنسا) وقد رفض الذهاب مع «بعض الاخوة الشوعيين لحضور اجتماع خاص بالاتحاد الفرنسي (يجمع بين جميع المستعمرات الفرنسية).
سبب الرفض الاساسي يعود كما جاء على لسان المتحدث الى ان ذلك المطلب لم يكن ضمن برنامج حزبنا ولا ضمن برنامج الحركة الوطنية، وخلف هذا الموقف آثارا سلبية في علاقة بن صالح بالشيوعيين وصفه ب «نوع من النفور وليس عداوة» واوضح المتحدث للاستاذة الجامعية ومن ورائها كل من شارك في السيمنار انه عندما حاولنا بناء توجه للتنمية الاقتصادية في برنامج متكامل وقد بدأ اتحاد الشغل في القيام بعديد العمليات في هذا الاتجاه قبل الاستقلال لم نسع الى تبنّي اي ايديولوجيا خاصة لا شيوعية ولا اشتراكية ولا ليبرالية فقد قمنا اولا بدراسة المجتمع التونسي القاعدي من خلال الجولات والتواصل مع القواعد النقابية وغيرها.
وعلى هذا الاساس اخترنا منهجا يرتكز على وضعية المجتمع التونسي في ذلك الوقت وتابعنا المسار حتى جاء الاستقلال وحاولنا ان نجد حلاّ لوضعنا الاقتصادي ونجحت تونس بالفعل في ان تختار منهجا يمكن ان نسميه ب «الوسط» وبالرغم من ان الحزب اختار ان يسمي نفسه سنة 1964 بالاشتراكي فإن خيارنا الاقتصادي ركّزناه على الوسطية وسميناه التعاضد بين الدولة والخواص والتعاونيات
هذه الطبقات الشعبية المجتمعة في هذه القطاعات الثلاثة يمكن ان تفرز قوى سياسية حزبية مختلفة.
الأكذوبة الكبرى
وشدّد السيد أحمد بن صالح على انه لم يقع اعطاء هذا «الوسط» ما يستحق من اهمية بسبب ما سماه ب «المسح» الذي بدأ اواخر سنة 1969 (عند التخلي عن التعاضد)، ثم بدأت الاكذوبة الكبرى التي تتحدث عن افتكاك الاراضي خاصة من الفلاحين او المالكين الصغار.
وأكد المتحدث ان كل ما قيل محض كذب منذ سنة 1961 الى سنة 1969 لم يصدر رأي قرار بل انه لم يقع الحديث البتّة عن تعميم التعاضد.
هذا الكذب كان احيانا تونسيا وفي احيان اخرى بدفع قوي من السفارة الفرنسية بتونس واعوانها سواء كانوا فرنسيين او تونسيين. فبعض التونسيين يعتبرون انهم لم يحصلوا عن «حقهم كمناضلين» من اراضي المعمّرين في الوقت الذي حاولت الدولة حماية الاراضي وان تجعل منها نواة لتجميع اراض اخرى خاصة في الشمال العربي.
فعندما جاء منداس فرانس واعلن استعداد فرنسا للتفاهم مع القيادات التونسية حول الاستقلال الداخلي في مرحلة اولى شرع جلّ المعمّرين الفرنسيين في طرد العمال التونسيين علما ان بعضهم يملكون اراضي فلاحية اي أنه وقع نوع من «النهم» لحيازة اكثر ما يمكن من المساحات الفلاحية.
واكد بن صالح في مداخلته ان تجربة التعاضد كانت تجربة اقتصادية بحتة من ذلك انه في وثائق المخطط لا نجد اي تعاضدية للانتاج وانما تعاضديات استثمار فقد اردنا حماية المساحات الفلاحية الهامة من نهم الاشخاص خاصة اننا على علم بان صغار الفلاحين هم في الحقيقة اصحاب الارض الحقيقيين.
التجربة انطلقت ب 15 وحدة فقط دون ان يكون هناك قانون منظم للعملية علما انّ القانون صدر سنة 1963، وقد اكدنا ان الوحدة تبقى على ملك الدولة مدّة 5 سنوات ثم توزع على المتعاضدين مع الاخذ بعين الاعتبار التوازن في نسبة الاراضي التي سيقع توزيعها على كل فلاح بالاضافة الى ضرورة ان يحتفظ كل شخص بوثيقة ملكية للارض وشدّد بن صالح بشكل قطعي على انه لم يقع انتزاع اي وثيقة للملكية.
من التمويل الى المكيدة
وبعد ان نجحت التجربة قمنا والكلام لبن صالح بدراسة 300 ملف لوحدات إنتاجية في الشمال الغربي، ففي تلك المناطق لم يكن بوسع التونسي ان يجد فيه «أي حبّة طماطم او رن فلفل او كعبة تفاح» فقد كان الشمال الغربي مخصصا للحبوب من اجل تصديرها الى فرنسا.
فالسبب الاصلي لتطوير هذه التجربة بشكل تدريجي في الشمال الغربي هو تنويع الفلاحة، ذلك انّ هذا الهدف لا يمكن تحقيقه على أيدي اشخاص لا يملكون الاّ مساحات محدودة (هكتار او اكثر بقليل) وبتطوير التجربة الى 300 وحدة انتاجية برزت مشكلة التمويل فما كان منّي الا ان تجاسرت واقترحت على البنك الدولي ان يمول التجربة علما انه (اي البنك الدولي) لم يدفع اي دولار للفلاحة منذ إنشائه، فقد كانت إجابته سلبية وبالرغم من الرفض اقترح بن صالح تكوين لجنة ثلاثية من تونسيين والبنك الدولي ومنظمة الاغذية والزراعة لدراسة التجربة التونسية بما هي احدى اولويات التنمية الاقتصدية وقد اثمرت هذه اللجنة قرارا بتمويل التجربة ب 20 مليون دولار (مبلغ ضخم في ذلك الوقت).
ووصف بن صالح تمويل البنك الدولي للتعاضد الفلاحي بأنه «ثورة جديدة» بكل ما للكملة من معاني، لكن كانت المكيدة لإجهاض التجربة.
هذه المكيدة كانت تحاك في السفارة الفرنسية وتحديدا من السفير الفرنسي الذي شغل المنصب مدة 8 سنوات كوّن خلالها شبكات تم القاء القبض على البعض منها فيما بعد وتحدث الوزير متعدّد الحقائب عما وصفه ب «لقاء تعيس جدّا» مع السفير الفرنسي وذلك عندما قرر الرئيس الحبيب بورقيبة تأميم 400 الف هكتار دفعة واحدة دون ان يحيط بن صالح علما وقد تزامن هذا القرار مع استرجاع بن صالح والمنجي سليم 150 هكتارا من الفرنسيين، وفسّر بن صالح صغر هذه المساحة بان طاقتنا للهضم كانت محدودة واوضح انه خلال اجتماع اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الدستوري (سنة 1968) اي اثناء الاعداد لمخطط التنمية 69 1972 وفي الوقت الذي اثبتت تجربة الوحدات الانتاجية نجاحها وحققت اهدافها في تنويع الفلاحة وتجديدها وذلك بفضل سياسة التدرج، طلب الرئيس الحبيب بورقيبة الكلمة قبل ان تنتهي الاشغال معلنا ضرورة تعميم التعاضد بدءا من هذه السنة (1969) وبالرغم من الجهود الذي بذلها بن صالح لتمديد هذا التعميم على كامل المخطط حتى تكون لنا «مساحة من الوقت للتراجع عن القرار او تكييف الامور» قامت القيامة وكثر الحديث عن ان احمد بن صالح استغل مرض الرئيس لاصدار قانون الاصلاح الزراعي
ويسترسل بن صالح في الحديث ليوضح بان الوزير الاول السيد الباهي الادغم اضطر للتدخل ليبين للمجتمع السياسي وللمواطنين بانه لا صحة لما قيل فالقوانين لا يقع سنها من خلال صياغة شخص واحد لها ثم امضاؤها من الرئيس بل ان الامر يتطلب اجراءات معقدة ومطولة وبمشاركة السلطة التشريعية.انتقال السيد احمد بن صالح من الاشارة الى «اللقاء التعسفي جدا» الى ما جدّ في اجتماع اللجنة المركزية للحزب لم يكن مجانيا وانما لتوضيح ملابسات لقائه مع السفير الفرنسي.
فاللقاء تم بعد اعلان تعميم التعاضد عل ال 400 الف هكتار وقد استغرب بن صالح كيف ان السفير طلب اللقاء عن طريق وزارة الخارجية، ولذلك طلب الوزير بن صالح من الخارجية ان يكون مرفوقا بمسؤول منها، وقد حضر اللقاء السيد الطيب السحباني كاتب عام الخارجية في ذلك الوقت.
رقبة السفير كانت طويلة جدا وبدا متجهما ومتحديا وبادر بن صالح بالقول وهو يصيح «اذن هل تفعل ما تريد !!» فلم يملك بن صالح ان يواري غيظه ليرد غاضبا من انت؟ الا تعلم اين انت موجود.. هل هذه هي الديبلوماسية ثم ضرب الوزير على الطاولة (بالطبع اثناء اللقاء مع السفير).
واضاف ان السفير لم يكن يتوقع رد الفعل وذكر انه قال بصوت خافت ومن المحتمل ان السفير سمعه «خسارة ما عنديش مروحة» وقد عمّت ارجاء القاعة قهقهات اثر نطق بن صالح بهذه الكلمات.
وإثر اللقاء بدأت «الحرب المعلنة» عن التعاضد ومن تجلياتها تقرير اصدرته السفارة في 60 صفحة فيه تشنيع بالسياسة الاقتصادية التونسية «مع ابراز الرأس الذي يجب ان يطير».
مع جيسكار ديستان
وكشف بن صالح عن سرّ علاقته المبتورة بجيسكار ديستان وذلك في إطار ابراز الدور السلبي الذي قام به السفير الفرنسي فقد استدعى فالبري جيسكار ديستان عندما كان وزيرا للمالية (سنة 1964) احمد بن صالح إلى فرنسا وجمعه به لقاء ودي بعد الغداء منع خلاله وزير المالية الفرنسي سفير بلاده بتونس من حضور خلوته ببن صالح حيث كشف المسؤول الفرنسي عن ان «الخارجية الفرنسية ستكون صعبة في التعامل معه ومدّه برقم هاتفه الخاص للاتصال به عند اي طارئ.
لكن بن صالح فوجئ باشعاره بان مدة إقامته بفرنسا انتهت فما كان منه الا التهديد بالاتصال بفاليري جيسكار يستان فتم التراجع عن القرار.
هذه العلاقة الودية سرعان ما تحولت الى قطيعة دامت 15 سنة بسبب تحميل بن صالح مسؤولية ادخال ال 400 الف هكتار ضمن التعاضد.
وبعد 15 سنة من التعاضد بعث فاليري جيسكار ديستان صديقه الشخصي المحرر الاقتصادي في لومند بول فابرا وكان اللقاء بأروشا (تنزانيا) وقد كشف بن صالح لفابرا سبب القطيعة قائلا «اذا كان هناك شخص مؤهل لمعرفة الحقيقة وملابساتها فهو فاليري جيسكار ديستان فاذا كنت وزيرا لبورقيبة فقد كان وزيرا لشارل ديغول ورئيس الدولة يأخذ في كثير من الاحيان اجراءات دون استشارة خاصة وان له شعبية كبرى وشرعية تاريخية ومعرفة وتجربة.
واستدرك الوزير التونسي السابق ليقول ان بورقيبة كان يقبل النقاش والجدل في القضايا الكبرى لكن دون فضيحة وانا شاهد على ذلك لكنه بيّن ان الكثير من الوزراء لا يريدون المغامرة خوفا على العديد من الاشياء في حين ان الوزارة مجرّد هدرة فارغة والعياذ بالله»
فقد استغرب بن صالح ان يعيب عليه فاليري جيسكار ديستان امرا كان ضحيته واردف الى المبعوث الفرنسي قائلا ان ما حدث دليل على ان الفرنسيين لم يتخلصوا من الاستعمار مسقطا حوار الامس بين واقع اليوم وما تعيشه عديد البلدان العربية مع الاستعمار الجديد من ذلك ما يحصل حاليا في لبنان.
الكارثة الحقيقية
وفي إطار شرحه لسياسة التعاضد اشار الى التنويع في الفلاحة الذي شهدته منطقة الشمال والى غرس 6 ملايين شجرة زيتون والى بعث 40 صندوقا تعاونيا للفلاحين الذين لم يدخلوا منظومة التعاضديات معتبرا ان الكارثة الحقيقية وقعت عند الاحتفال بميلاد البنك الزراعي وكل (تصفية) هذه الصناديق التي كانت تمثل بندا هاما للفلاحين الخواص علما ان احمد بن صالح اقترح الحفاظ على الصناديق ومن هنا بدأت عملية العقد من المسؤول عن البنك اي المرحوم حسان بلخوجة. وكشف بن صالح ان الماريشال تيتو (يوغسلافيا) قد ارسل رئيس البرلمان اليوغسلافي مدّة اسبوع الى تونس حيث لازمه في كل خطواته للاطلاع على التجربة التونسية، وبعد فترة من الزمن استدعت يوغسلافيا حسان بلخوجة الذي قال لبورقيبة عند عودته ان يوغسلافيا اخذت بالمثال التونسي واعادت وثائق ملكية الاراضي للمواطنين.
وذكر المتحدث ان الاكاذيب تهاطلت في ذلك الوقت لكنه اعترف بمسؤوليته عن رواج مثل تلك الاقاويل لانه لم يرد الفعل ولم يكشف اثناء المحاكمة ان رئيس الدولة الحبيب بورقيبة هو من اتخذ قرار تعميم التعاضد والوثائق المؤيدة لا تزال موجودة.
واعلن بن صالح عن تحدّيه لاي شخص (في الواقع لاي صحفي) عن اي نشاط فعلي له يتعلق بالتعاضد بعد التعميم فقد رفض المشاركة في عديد النشاطات على غرار التدشين.
ولم يتردد المتحدث في وصف المحكمة ب «محكمة باندية» فقد سأله القاضي قائلا «انت تحب تطلع الفوق... من المسؤول عما جرى» فأجاب بن صالح بأنه كان المسؤول شخصيا.
كما واجه القاضي احمد بن صالح باعتراف خطي منه كتب عليه انه «يعرف وين يمشي» ولما اطلع المسؤول السابق على الوثيقة وقف على انها بخط يده بالفعل وقد كشف للحاضرين حقيقتها.
فإثر ابتعاده عن دائرة العمل السياسي والاقتصادي عاد الى عالم الادب من جديد (كان في الاصل استاذ عربية) ووقف على معنى ذكره احد الادباء الفرنسيين لكن بن صالح ادرك بحدسه ان هذا المعنى بالذات موجود في الشعر العربي الجاهلي وقد وجد ضالته في بيتين للشعر لعروة بن الورد:
«وسائلة اين الرحيل وسائل
ومن يسأل الصعلوك اين مذاهبه
مذاهبه ان الفجاج عريضة
إذا ضنّ عنه بالفعال اقاربه»
وذكر بن صالح انه قد بيّن هذا الامر للمحكمة، وعلق قائلا انه لم يكن على ثقة بانّ هيئة المحكمة لا تفرّق بين «عُروة وعِرْوة»!
نهضة فلاحية
وشدد اثر ذلك ان ما وقع في تونس هو نهضة فلاحية لكن الحقائق انقلبت رأسا على عقب.. تم قفز من عالم التاريخ الى دنيا الواقع ليذكر بانه «touriste» في بلاده ثم ذكر خلال النقاش بانه «tout risque».
ودعا أحمد بن صالح الصحفيين والمؤرخين الى العودة الى جرائد ذلك الزمن ليقفوا على عديد الحقائق ومن بينها كيف ان لجان التخطيط اصبحت في كل شبر من البلاد (القرى....) لتستمع الى المواطن وتسجّل اقتراحاته ورغباته.
وكان السيد احمد بن صالح قد اضطر للحديث مجددا عن التعاضد ردا على اسئلة عدد من الحاضرين مشددا على انه قد جاء لتصحيح بعض الاخطاء والكشف عن بعض الاكاذيب، فقد اكد انه يتمنى بان يقوم مهندسون وفلاحون واقتصاديون بتحليل الامور حتى يقفوا عند الحقائق وذكر بانه كان متعصبا للقطاعات الثلاثة واضاف بان الكثير من الاشخاص نسوا او تناسوا شيئا مهما للغاية وهو ضرورة وضع الامور والمواضيع والاحداث في إطارها الزمني وعليه فانه من الخطإ تحميل المسؤولية لشخص شارك في الحكومة. كاشفا عن ان الكثير مما كان يحدث في الديوان السياسي لا يصدّق بالفعل، وقد روى بشيء من التفصيل بعض ما جرى في تلك الجلسات من تصرفات عجيبة وسوء تعامل مع الاعضاء علما انه ذكر اسمي مسؤولين سياسيين كبيرين توفيا ويكن لهم الشعب التونسي احتراما كبيرا لكنهما لم يسلما من المعاملة السيئة الى درحة الاهانة علما ان بن صالح قد استعمل عبارة «تمزبيل».
واذا كان الامر على هذه الشاكلة فإنه من غير المقبول تحميل وزير مسؤولية تعميم التعاضد واخذ قرار بتأميم 400 الف هكتار خاصة انه (اي بن صالح) لم يكن في ذاك الوقت وزيرا للفلاحة من ناحية ومن ناحية اخرى كان يؤمن بان التعاضد وسيلة عمل بالتدرّج.
واضاف بان اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الدستوري (1968) سايرت بورقيبة ووافقت على قرار التعميم لكن مكيدة دبّرها اشخاص معروفون حملوني المسؤولية. هؤلاء الاشخاص كوّنوا شركة واشتروا الشياه والابقار من المواطنين وذهبوا بها للقيروان فجرفتها مياه الفيضانات كما ان المعتمدين كانوا يتسابقون في ارسال البرقيات الى بورقيبة للتباهي بالعدد الكبير من التعاضديات التي احدثوها حتى ان احد المعتمدين ارسل برقية ذكر فيها بانه أحدث 50 تعاضدية في شهر واحد ! وذكر بان بعض المعتمدين والولاة كانوا يعتبرون انفسهم ميليشيات بورقيبة ولم يتردد بعضهم في التصريح بضرورة قتل احمد بن صالح.
واعتبر بن صالح ان الهدف من هذه العملية ليس القضاء على أحمد بن صالح وانما على الحبيب بورقيبة لانهم يعتبرون انه في القضاء على الاول قضاء فعلي على الثاني كما ذكر بان عديد الشاحنات توزعت في ارجاء البلاد لنزع «البلايك» الخاصة بالتدشين وذاك بقرار من البرلمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.