تصاعدت في الفترة الأخيرة وتيرة الناشطين في مجال رصد أداء وسائل الإعلام خاصة في علاقة بتغطية أنشطة الأحزاب السياسيّة، وتمّ للغرض الإعلان عن تأسيس عديد المبادرات التي تهدف إلى تأمين قيام الإعلام بدوره المطلوب خلال الفترة المقبلة التي تتميّز بقرب انطلاق المراحل الهامّة من عملية انتخاب المجلس الوطني التأسيسي. وقد استقطب هذا المجال، أي رصد أداء وسائل الإعلام، اهتماما واسعا لدى المتابعين للشأنين السياسي والإعلامي نظرا لدقّة المسألة وحجم الرهانات التي تطرحها ناهيك وأنّ حالة من التباين قد طبعت رؤى جلّ المتدخلين بلغت درجة الحدّة بين قناة تلفزيّة والهيئة المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال. إنّه ما من شكّ في أنّ المرحلة الانتقاليّة الحالية بمواعيدها الانتخابية والسياسية المنتظرة هي مرحلة على غاية من الدقّة تقتضي في ما تقتضي التعاطي الإعلامي المهني والحرفي المُحايد مع مختلف الأطراف السياسيّة، غير أنّ ذلك المعطى لا يجبُ أن يحجب حقيقة ما هو موجود على ميادين الفعل السياسي، فالإعلام مُطالب بأن ينقل الصورة السياسية كما هي دون فرز أو انتقاء أو إقصاء، ينقلها للرأي العام وللمواطنين كما هي موزّعة بين مختلف الفاعلين والأطياف السياسيّة كلّ حسب جهده وكلّ بمقدار حركته ونشاطه وفعله الميداني، وإلاّ كان إعلاما مزيّفا للحقائق ومُغالطا للناس. إنّ المخاوف كبيرة اليوم في أن تكون مبادرات رصد أداء الإعلام بوابة لولوج سياسات التقييد والتكبيل ومجالا لتصفية بعض الحسابات السياسية والحزبية والفئويّة بين مختلف الفاعلين السياسيين، وتحويل الإعلام إلى خادم في منازلات سياسيّة ضيّقة لا تعنيه بالمرّة. لقد درجت الأحزاب السياسية على أن ترمي فشلها وعجزها الشعبي والجماهيري على عاتق الإعلام والصحافيين وكاهله مُحاولة توجيه حقائق الأحداث ومعطيات الواقع لمُغالطة الرأي العام وإيهامه بعكس ما هو موجود على أرض الواقع أو توجيه الأنظار عن مسائل داخليّة تهزّ هذا الحزب أو ذاك. إنّ الرصد لا يجب أن يتعدّى حدود المهنية في نقل الخبر بأمانة وحياديّة والابتعاد عن منطق الإثارة أو المغالطة، إضافة إلى ترصّد حالات الامتناع عن النشر أو حجب بلاغات أو مواقف هذا الحزب أو ذاك ومنع هذا أو غيره من الكلام وحرية التعبير والتصريح لمختلف وسائل الإعلام، عدا ذلك ستبقى عمليات الرصد بمثابة المتاهة التي لا تُفضي إلاّ إلى الاستنتاجات الخاطئة والاتهامات غير الصحيحة أو الثابتة، فليس للصحفي من دور في توجيه أحداث الساحة السياسية ولا له صانع لها، فتلك الأحداث تفرضُ نفسها عليه وهو مطالب إلى ذلك بالتقصي والبحث عن المعلومة والوصول إلى سبق صحفي متميّز قد يأتي من جراب هذا الحزب أو غيره. إنّ الرصد على ما هو جار عليه الآن مُحبط للكثير من العزائم وسيبقى مثيرا للكثير من الجدل حول الخفايا والأيادي الّتي تُحرّكهُ وهو يحتاج من ثمّ إلى إعادة صياغة لأسسه ومنطلقاته بروح جماعيّة حتى يكون رصدا علميّا دقيقا يخدمُ القطاع ولا يُعيق حركته في اتجاه التطوّر والنماء والإبداع والابتكار، كما أنّه يكون حينها، وحينها فقط، رصدا يخدم المرحلة الانتقالية الدقيقة التي تمرّ بها البلاد. إنّ المواطن في حاجة، بل من حقّه، أن يعرف كلّ الأطياف والأحزاب السياسيّة من حيث مرجعياتها ومبادئها ومنطلقاتها وشخوصها، ولكن نفس المواطن في حاجة إلى أن يعرف مدى جديّة وشعبية وجدارة ومصداقيّة كلّ حزب من تلك الأحزاب وأحجام كلّ واحد منها ولا يكون ذلك إلاّ عبر مختلف المقاربات والانتاجات التي يُجريها الإعلام بمختلف مؤسساته وفروعه كلّ حسب إمكانياته وكلّ حسب قدراته على إنتاج المقالات الإخباريّة والتحليلية التي تتناغم مع أحداث الساعة ومجريات الشأن السياسي.