لم تسلم جزيرة الاحلام جربة من حملات النهب والسطو التي شنتها عصابات النظام البائد. فهذه الجزيرة الجميلة والرائعة والهادئة بطبيعتها الخلابة وبتراثها الغزير وبتجذر ثقافة التسامح فيها كانت عرضة لعديد عمليات السلب وصفقات الاستغلال الفاحش. عمليات السلب هذه تعرضت لها مساحات شاسعة من الاراضي وخاصة من الملك العمومي البحري. أما صفقات الاستغلال الفاحش فهي صفقات أبرمها المتاجرون بالثقافة في الجزيرة. فلئن كان جمال الطبيعة وسحرها، وثراء التراث وتنوعه يمثلون مصادر الالهام لدى المبدعين، فإن مثل هذه الثروات والخيرات التي تنعم بها جربة، لم تلهم المبدعين بل «أسالت لعاب» العديد من سماسرة وقراصنة الثقافة من داخل الجزيرة وخارجها. فبعضهم نصبوا أنفسهم رعاة الثقافة في جربة فتحولت بعض الفضاءات الثقافية ملكا لهم صالوا فيها وجالوا كما أرادوا واشتهوا. فتحولت من فضاءات ثقافية الى فضاءات تجارية تنظم فيها معارض لكل أنواع البضاعة والى قاعات أفراح تقام فيها حفلات الزفاف. كما أن هؤلاء كانوا يغدقون الأموال الطائلة تحت عنوان تنظيم التظاهرات والمهرجانات والندوات والملتقيات باسم المسرح والموسيقى والرسم والطفولة... لكن على أرض الواقع فان أغلب هذه التظاهرات هي مجرد حبر على ورق يرسل مباشرة الى وزارة الثقافة في عهد النظام البائد فتتم الموافقة عليها ودعمها ماديا دون متابعة. هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم رعاة للثقافة في الجزيرة كانوا يستمدون نفوذهم من «علاقاتهم» ومن بقائهم في مناصبهم لسنوات طويلة يقارب طولها فترة حكم المخلوع. إن هؤلاء لم يتركوا الفرصة بل إنهم حرموا العديد من المبدعين في الجزيرة من الابداع. أما البعض الاخر فقد استغلوا الوجه السياسي للجزيرة ورفعوا شعار «دعم الثقافة والسياحة في جربة» ليقوموا بحجز بعض فضاءات العرض بالجزيرة وخاصة مسرح الهواء الطلق بحومة السوق معلنين تنظيم المهرجانات. وليس المشكل في هذه المهرجانات بل في تلك الصفقات التي كانت تبرم بين العديد من الأطراف بعناوين فضفاضة متنوعة. فجزيرة الأحلام هي جزيرة للابداع والالهام وليست جزيرة الكنز.