بقلم الشيخ: أحمد الغربي عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «إِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ تَقُولُ يَا رَبِّ إِنِّي قُطِعْتُ يَا رَبِّ إِنِّي ظُلِمْتُ يَا رَبِّ إِنِّي أُسِيءَ إِلَيَّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ فَيُجِيبُهَا رَبُّهَا عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ». (رواه أحمد بن حنبل). هذا الحديث هو واحد من جملة من الأحاديث النبوية التي تتحدّث عن أهمية وصل الأرحام والتحذير من قطعها لأن الإسلام قد أمر بالأخوة وإقامة مجتمع متماسك وقوي تسوده المحبة والتعاون ولا يكون ذلك إلآ إذا كان أفراده متآلفين متحابين متواصلين وخاصة بين الأقارب. فأمر بالإحسان إلى ذوي القربى وحّرم قطع الرحم ومجافاة الأقارب واحتقارهم خاصة إذا كانوا من الفقراء والهدف من ذلك تقوية الروابط الدموية وروابط القرابة من الأخوة والعمومة, وغيرها إلى المصاهرة حتى لا يتنكر الإنسان لأصوله وفروعه. ففي هذا الحديث الرائع يصوّر لنا النبي صلى الله عليه وسلم حالة الرحم يوم القيامة عندما يقوم الأشهاد للحساب وهي تستغيث بربّها ممن قطعها وجافاها، وممن ظلمها واعتدى عليها , وممن أساء إليها واحتقرها, فيجيبها المولى عز وجلّ و يترضّاها بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها لأن الرحم كما ورد في الحديث شجنة من الرحمان أي مشتقة من الرحمان كناية عن أهميتها ومكانتها عند الله تعالى, ولهذا حثّ الإسلام على الإحسان إلى الأقارب حتى ولو قابلوا الإحسان بالإساءة والمعروف بالجحود لأن الإحسان إلى المسلم البعيد صدقة والإحسان إلى المسلم القريب صدقتان :صدقة مع صلة, عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» (رواه احمد). والكاشح هو الجاحد المبغض . والإنسان بطبيعته البشرية تأبى نفسه الظلم لا تقبل من يسيء إليها إذا هي أحسنت إليه ولكن مع كل هذا الضيم فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نروض نفوسنا على مقابلة الإساءة بالإحسان خاصة بين الأرحام مثلما قال لذاك الرجل الذي جاءه يشتكي قرابته وظلمهم له رغم أنه كان يحسن إليهم . عن أبي هريرة أن رجلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ» (رواه مسلم). فبشّر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل بأن إحسانه لأقاربه ومجافاتهم له فكأنه يسفهم الرماد الحارّ كناية عمّا ينتظرهم من عذاب وأن الله تعالى سيكون نصيرا له عليهم مادام يصبر على آذاهم.