في غمرة نشوة انتصار ثورتنا المجيدة بدأت الممارسة الديمقراطية في حياتنا اليومية، سواء أكان ذلك في حراك الشارع التونسي أو في وسائل الإعلام أو انتخاب مسيّري بعض المؤسسات الفاعلة في بلادنا. بدأت هذه الممارسة في مؤسسات التعليم العالي حيث تم انتخاب المجالس العلمية ورؤساء الأقسام والمديرين والعمداء في جميع الكليات والمعاهد واختتمت هذه الانتخابات برؤساء الجامعات. وكأنّ الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني ارتأت أن يكون البدء بمؤسسات النخبة حتّى تنتقل إلى انتخاب المؤسسات الجماهيرية وتحديدا المجلس التأسيسي. ولكن.. وللأسف الشديد هناك من هذه النخبة من لم يرض بنتائج الانتخابات إذ عند فشله سرعان ما انتقل إلى إثارة ملفات وقضايا كنّا نعتقد أنّ العامة قد تخلّصت منها مثل الجهويات والنعرات القبلية، ظاهرة تُستغرب أشدّ الاستغراب عندما يثيرها أساتذة تعليم عالٍ!!! فيا خيبة المسعى في التمشي الديمقراطي الّذي نادت به كلّ القوى الحيّة والتقدميّة في هذه البلاد من أحزاب وجمعيات ومنظمات مجتمع مدني. النخبة المثقفة ترفض الديمقراطية وترفض نتائجها فلا نستغرب لاحقا كل ما سيجري عند انتخاب المجلس التأسيسي. رفض البعض نتيجة الاقتراع وانغمسوا في الجهويات متذرّعين بمآخذ على شخصي ونشرها في كثير من وسائل الاتصال الحديثة ممّا جعلني في موقف دفاعي رأيت من الواجب علي إنارة الرأي العام جهويا في جندوبة ووطنيا في كامل البلاد التونسية. أمّا التهمة الكبيرة الّتي ركّز عليها خصومي هي أنّني تحمّلت مسؤوليات في حزب التجمّع (مكوّن سياسي، رئيس بلدية، مناشد الرئيس المخلوع للترشح في سنة 2014.. إلخ). اعتمدت هذه الأطراف على تشابه الأسماء إذ أنّ اسم محمّد نجد منه العشرات بل المئات ضمن العائلات التونسية لأنّ خير الأسماء ما حُمّد وعُبّد. هناك أشخاص آخرون يحملون اسم محمّد عبازة وكانت لهم مسؤوليات في التجمع ولست واحدا منهم ويمكن لكلّ من يريد التثبت الرجوع إلى اسم الأب ورقم بطاقة التعريف الوطنية. أمّا المناشدة، فإنّني لم أناشد مطلقا وكلّ من يعرفني يعلم أنّني معارض وأنّني ترشّحت في الانتخابات التشريعية سنة 1999، مع الاتحاد الديمقراطي الوحدوي وأنّ المناشدة الّتي يتّهمني بها خصومي قد تمت على جريدة يومية بطريقة إلكترونية وهي طريقة خادعة ومضلّلة لأنّني لم أقم بها لسبب بسيط هو أنّني لو كنت ناشدت أو رغبت في المناشدة لوقّعت على القائمات الّتي خصّصت لذلك، ولوضعت رقم بطاقة تعريفي. ولاشكّ أنّني سوف ألتحق بغيري ممن رفعوا قضايا ضدّ جريدة الصباح الّتي زجّت بي في هذه المتاهة. وقد استغلّ خصومي خلافا قديما وقع بيني وبين المندوب الجهوي للثقافة بالكاف سابقا حيث اتهمني حينها بمعارضة سياسة بن علي في الشمال الغربي وألصق بي العديد من التهم حول علاقتي بالجهة، مع أنني من خلال عملي حاولت بالقيام بالعديد من التظاهرات الثقافيّة والفنية الّتي تعرّف بالجهة معترفا بأنّها تملك خصوصيّات ثقافيّة لا تتوفّر لغيرها من الجهات التونسية. لقد تمّ تحريض أهالي جندوبة وموظّفي الجامعة ضدّي بذريعة أنّني لا أملك برنامجا لإدارة الجامعة، وتمّت الإشارة إلى أنّ جامعة جندوبة تقع في أسفل ترتيب الجامعات التونسية. أستغرب كيف تُثار هذه المسألة وقد قضى أستاذ تعليم عال أصيل مدينة جندوبة ثلاث سنوات نائبا للرئيس.. لماذا لم تتم محاولة طرح برنامج ومحاولة إنجازه إذا كان ما يهمّ هو الانتماء الجهوي وليس الكفاءة العلميّة! شخصيّا لم أعدّ برنامجًا خاصّا لسببين: الأوّل: أنّ جامعة جندوبة أعدّت مشروع مؤسسة (Projet d'établissement) سنة 2010 بإشراف لجنة مضيّقة ترأسها رئيس الجامعة السابق، ومن أعضائها النائب السابق لرئيس جامعة جندوبة، وهو مشروع طموح سنسهر مع زملائي المديرين والعمداء وأعضاء المجالس العلمية في المعاهد والكليات على تطبيقه. الثّاني: إنّ مهمة رئيس الجامعة حسب اعتقادي هي التنسيق بين المعاهد والكليات، برؤساء أقسامها ومجالسها العلمية ومديريها وعمدائها، وما يقترحونه من برامج وتصوّرات ورؤى تشكّل خارطة طريق لما سيسهر على تنفيذه رئيس الجامعة مع زملائه خلال المدّة النيابية. إنّ تقديم برنامج ونشره على صفحات وسائل الاتصال الحديثة من قبل منافسيّ في الانتخابات، كلمة حقّ أُريد بها باطلا لأنّ البرنامج نتاج عمل جماعي وليس رؤية فردية لمستقبل 17 ألف طالب، ولن يتحقق نجاحه إلاّ إذا ساهمت فيه كلّ الأطراف المعنيّة، أي أعضاء المجالس العلميّة ورؤساء الأقسام والمديرون والعمداء في كافة مؤسسات التعليم العالي بالجهة. وأقول لأصدقائي وزملائي في جامعة جندوبة وهم كثر أنّ نتائج الاقتراع والنهج الديمقراطي الّذي اختاره الشعب التونسي قاطبة من أقصاه إلى أدناه، رفضه خصومي الّذين يحاولون إرجاعنا إلى عهد التعيين الذي أوصل البعض إلى مناصب ومسؤوليات هامة في جامعة جندوبة بقوا متشبّثين بها إلى الآن دون أن يحاولوا تحقيق إنجازات هامة تفيد جامعة جندوبة وترتقي بها إلى ترتيب أعلى على الصعيد الوطني. وفي الختام أقول أنّه ليس من الأهداف النبيلة لثورتنا المجيدة الانغلاق على النزعات الجهوية الضيّقة وشرذمة الشعب إلى قبائل وعروشيّات. وهذه نظرة لا تخدم توجّهات الثورة في سبيل الديمقراطية والمساواة بين كافة التونسيين وحقّهم في وطنهم مهما كانت الجهة الّتي يعملون بها أو ينتمون إليها. إنّ الممارسات الديمقراطية الّتي نطمح إلى ترسيخها منذ 14 جانفي 2011 لسوف تكون درسا للشعوب الأخرى كي تقتدي بها وتسير على نبراسها كما اقتدت بثورتها وسارت على نهجها. يا حبّذا لو نكون في مستوى الأحداث.. بقلم الدكتور محمد عبازة (جامعي)