لم تكن الأستاذة الجامعية فوزية الشرفي، على الرغم من انخراطها في التدريس والبحث والنضال الوطني طيلة 46 عاما رفقة زوجها المرحوم الأستاذ محمد الشرفي، أن تتوقع يوما أن تصبح كاتبة دولة مكلفة بالجامعة وتستطيع من موقعها الجديد المساهمة في فتح باب الاصلاحات الكبرى التي طالما حلمت بها مع بقية زملائها. ومنذ انضمامها الى حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية بفضل الثورة انكبت الأستاذ فوزية الشرفي على العمل برّا لأرواح الشهداء ووفاءا لذكرى زوجها المرحوم الأستاذ محمد الشرفي، وزير التعليم العالي والتربية الأسبق. وقد صرّحت بعيون دامعة وعزيمة قوية: «إن ما ينتظره منا الفقيد وكل الوطنيين الأحرار هو ليس فقط أن ننخرط في العمل فورا بكل طاقتنا وأن ننجح وأن نكون فاعلين». وقد دعت الأستاذة فوزية الشرفي العودة الى أخلاقيات الجامعة ومبادئها واعتماد مبدأ التمثيل في كل المستويات واقرار الجودة هدفا أساسيا. وهي بذلك تفتح باب التشاور لارساء اصلاحات ليست بحاجة لتشريع جديد والتي لا تحتمل الانتظار، فالمبادئ واضحة وهي: «ارساء مبدأ الانتخاب فيما يهم مديري المعاهد والمؤسسات العليا وكذلك الطلبة في المجالس العلمية ومزيد من الصرامة في انتداب المدرسين وتوجيه حاملي شهادة الباكالوريا حسب الدرجة المستحقة والارتقاء بجودة التكوين وتفعيل الشراكة مع المؤسسات الاقتصادية». وقد عادت الأستاذة فوزية الشرفي منذ أسبوع الى ارتياد مقرّ وزارة التعليم العالي الكائن بشارع أولاد حفوز حيث اتخذت لها مكتبا بسيطا كان شاغرا، منكبّة على مهامها بكل عزم وقد كان لها اللقاء التالي مع موقع ليدرز. لماذا قبلت أن تكوني جزءا من حكومة الوحدة الوطنية ؟ لم أتردد لحظة في المساهمة مع كل التونسيين الذين ناضلوا خلال الأسابيع المنقضية والذين كانوا على الخط الأول للمواجهة لتسترجع تونس كرامتها، (ولهم منا أعطر تحية) وقد تحصلت على حريتها وكرامتها ولكن لا بدّ أيضا أن تحقق هذا المطلب عمليا. وقد تحدثنا عن الجامعة التي يجب أن تسترجع أخلاقياتها الأصلية ولعل إلغاء الأمن الجامعي وإعادة ادماج الطلبة الذين وقع رفتهم بسبب آرائهم السياسية تعدّ نقطة تحول مهمة، وتنصهر في صلب المبادئ الكبرى التي نتقاسمها. وبأية إرادة؟ إن مجرّد قبولي لهذه الخطة يحتم علي لزاما أن أتوفق الى تحقيق نتائج ملموسة إذ توجد مبادئ واضحة نتقاسمها جميعا مثل الشفافية في الفضاء الجامعي حيث قضيت معظم فترات حياتي منذ سنة 1964 وأنني على يقين من أنّ العديد من الأشياء يجب أن تنجز فورا دون انتظار التشريعات الجديدة. كما توجد نقطتان مهمتان واضحتان وباستطاعتنا أن نحققهما وهي أولا توّخي الحزم والتحرّي لانتداب المدرسين الجامعيين واعطاء الناجحين في إمتحان الباكالوريا التوجيه الجامعي المستحق. هل هناك اجراءات عاجلة أخرى ؟ بالتأكيد، يوجد بالتوازي مع النقطتين اللتين ذكرتهما اجراءات أخرى تستحق الدرس، ونحن نأمل أن نتشاور بشأنها مع باقي الزملاء والأطراف المعنية وأعني بالخصوص مبدأ التمثيل في المجالس العلمية ووجوب المرور بالانتخابات لادارة ورئاسة المؤسسات الجامعية. إن تمثيل الأساتذة على مستوى المعاهد العليا هو مطلب قديم وفي الوقت الراهن الانتخابات لا تهم عمداء الكليات في حين أنّ جميع مديري المعاهد يقع تسميتهم من قبل الوزير. وأظن أنه علينا تطبيق مبدأ الانتخاب كما هو حاصل في البلدان الديمقراطية وقد كنت أنا نفسي مديرة معهد عال «مدرسة التونسية للتقنيات بالمرسى». وهذا لا يعني التشكيك في كفاءة المديرين الحاليين والذين يضطلعون في الواقع بمهام جسيمة. أنا أقصد فقط أن يتم تفضيل الانتخاب كمبدأ أساسي ومن المهم فتح المشاورات الموسعة في هذا المجال خاصة مع نقابة التعليم العالي. ومن ناحية أخرى يجب تحسين مبدأ تمثيل الطلبة في المجالس العلمية الموجودة أساسا وتعديله، كما يجب النظر في تركيبة مجالس الجامعات وبعض المعاهد والمجالس العلمية. وماذا بشأن رؤساء الجامعات ؟ يجب أيضا تطبيق مبدأ التمثيل لرؤساء الجامعات، إذ أن مهمتهم صعبة وهي أصعب الآن كما هو الشأن بالنسبة الى كافة الزملاء الأساتذة. وكما ترون فالأمر يهم النظر في نظم تسيير التعليم العالي والتوافق على ما يمكن تطبيقه في أقرب الآجال. هذه الحكومة انتقالية، هل لديكم الوقت الكافي للقيام بهاته الاصلاحات ؟ صحيح أننا نعمل الآن في ظل حكومة انتقالية، ونحن ننتظر جميعا الانتخابات التي ستسمح بتحقق هذه الثورة، ولكنني أظن أنه من المهم التعجيل بالشروع في المسار الاصلاحي في اطار احترام منظومة أمد (3 5 8 سنوات) كما يجب علينا أن ننكب فورا على العمل لضمان تكوين صلب ذي جودة عالية بما يساهم في الحدّ من البطالة. إنّ هدف الجودة هو مطلب أساسي لأن اعطاء الشباب شهادة ليست ذات قيمة، هي بمثابة اعطائه هديّة مسمومة إذ أنه بقدر ما يكون مؤهلا بصفة جيّدة بقدر ما يكتسب المهارات اللازمة ليجد مكانه في القطاعات الناشطة. يجب إعادة النظر في معادلة تكوين شغل وأظن أنّ الشراكة بين الجامعات والشركات هي أكثر من ضرورية بدون شك يوجد العديد من الامكانيات والطاقات والحلول التي يجب علينا أن نستثمرها جميعها لتقليل نسبة البطالة. كيف كانت مشاعركم وأنتم تجتزون من جديد باب الوزارة ؟ «كنت لا آتي الى الوزارة كثيرا خاصة الى الطابق الثالث، حيث ديوان الوزير، عندما كان زوجي المرحوم وزيرا كنت دائما قريبة منه، ولكنني كنت أرغب دوما في العمل بعيدا. رجعت الى هذه الدار عندما كنت مديرة للمدرسة التونسية للتقنيات بالمرسى، لعقد الاجتماعات أو المحادثات ولكن منذ أن تعاقدت لم أرجع أبدا. ولكي أكون صادقة معك منذ رجوعي الأسبوع الفارط لم أكن أتصور أن أكون قادرة على تمالك نفسي بهذا الشكل والتغلب على عواطفي ومشاعري بهذا القدر ولكنني توفقت الى ذلك والانصراف فورا الىالعمل لأن ما ينتظرنا كبير وكبير جدا ولأن دماء الشهداء لن تجف طالما نحقق ما دفعناه غاليا من تضحيات جسام».