قال الباحث والكاتب لعربي المقيم ببريطانيا منير الهنداوي في لقاء مع «الشروق» عبر الهاتف من لندن ان الهدوء عاد أمس بشكل نسبي الى المدن البريطانية لكن ما حدث خلال الايام القليلة الماضية كان «انفجارا اجتماعيا» بكل المقاييس تخللته أعمال عنف وسرقات وحرائق ليلية خطيرة. بداية، كيف تصف أستاذ صورة الأوضاع الراهنة في المناطق التي اندلعت فيها أحداث العنف... هل هدأت الأمور بعد التطورات التي عرفتها هذه المناطق خلال الأيام الثلاثة الماضية؟ الأوضاع استتبت نسبيا بعد أعمال شغب عنيفة عاشت على وقعها عدة مدن بريطانية الليلة قبل الماضي... والآن هناك هدوء في جل هذه المدن لكنه هدوء حذر في ظل الانتشار المكثف للشرطة البريطانية بحيث هناك حاليا أكثر من 16 ألف شرطي في شوارع لندن أضيف اليهم 1700 وحدة اضافية... ولكن على الرغم من هذا التواجد الأمني فإن الأمور تبدو مرشحة لمزيد من الاضطراب في ظل تواصل الغضب الشعبي. هذا عن الوضع الأمني الحالي لكن لو تروي أستاذ كيف بدأت شرارة هذه الاحداث ولماذا اشتعلت وانتشرت بهذا الشكل؟ خلال الأيام الاربعة الماضية شهدت عدد من المدن البريطانية تجمع قسم من البلطجية الذين يكسرون المحلات ويقومون بأعمال نهب تتصاعد خاصة عند الغروب وتبدأ عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وتبدأ بعد ذلك أعمال التخريب والحريق... لكن الناس اليوم أصبحوا يحمون أنفسهم ويشكلون لجانا بعد ان اتضح ان الشرطة عاجزة عن حمايتهم... وما هي برأيك الأسباب الحقيقية وراء ما يحدث ولماذا فقدت الشرطة السيطرة عليها؟ أحد أهم الأسباب في رأيي هو أن هناك توترا بين الشرطة والاقليات من أصول افريقية... والشرارة بدأت بقتل مواطن أسود اتهموه بأنه أطلق الرصاص على الشرطة ولكن الحقيقة انه لم يفعل ذلك بل ان الرصاصة التي أصابت الشرطي هي من مسدس شرطي آخر... وبعد ذلك أوقفوه (المواطن الأسود مارك دوغان في تاكسي وقاموا بقتله بعد ان نصبوا له كمينا ولكن ملابسات هذه العملية لا تزال غامضة... هذه كانت بداية الشرارة ولكن إثر ذلك ذهب أهل القتيل وعدد من الاجانب السود ومنظّمات المجتمع المدني للاحتجاج أمام مركز الشرطة بتوتنهام ولم يجدوا جوابا رغم وقوفهم لأكثر من 6 ساعات أمام مركز الشرطة وبعد ذلك بدأ الناس يتجمّعون ومن ثم انطلقت الاحتجاجات وتوسّعت شيئا فشيئا الى أن تحوّلت الى أعمال شغب في نفس الليلة فبدأ حرق البنايات وحرق سيارات الشرطة الذين أصيب منهم 24 عنصرا اصاباتهم كانت متفاوتة الخطورة. لكن ألا تعتقد أستاذ أن الشرطة أجّجت بسلوكها مشاعر المواطنين الذين كانوا يحتجون بشكل سلمي على مقتل مارك دوغان؟ بالضبط فلو أن الشرطة عقدت مؤتمرا صحفيا أو لقاء مع أسرة القتيل لما وقعت مثل هذه الاحداث... ثم ان السبب الثاني أن عددا من الاهالي في المناطق التي وقعت بها الاحداث اتصل بالشرطة لكن الشرطة تركت المشاغبين يسرقون وبقيت تتفرّج على ما يحدث من حرق ونهب وتدمير. هل تريد أن تقول إن ما حدث كان عملية مدبّرة؟ نعم هي عملية مقصودة من قبل الشرطة لأنه في اليوم الثالث كان هناك 16 ألف شرطي في العاصمة فعندما جاءت حكومة المحافظين برئاسة ديفيد كاميرون قرّرت على الفور الاستغناء عن آلاف الشرطة وقطع مخصصاتهم وتقليصهم وإحالة بعضهم الاخر على التقاعد. في سياق حديثك تبدو وكأنك تلمّح الى وجود «رائحة عنصرية» في أعمال العنف والشغب التي تشهدها بريطانيا هذه الايام رغم ان الرواية الرسمية البريطانية تنفي ذلك وتقول بأن المشاغبين كانوا من كل الاعراق... فما مدى دقة هذا الكلام؟ أنا أقول إن رائحة العنصرية موجودة بنسبة 100٪ في هذه الاحداث... لأن اتجاه الانظار كان مسلطا على ذوي الأصول الافريقية في بريطانيا في اطار حملة واضحة تستهدف كل ما هو أجنبي... فهم يتعاملون مع الاجانب العرب والافارقة على أنهم غرباء ويمارسون تضييقات وتمييزا عليهم في المدارس وفي مجال العمل. هل هناك حالة من الاحتقان بين أبناء فئات من المهاجرين ساهمت في تفجّر هذه الاحداث؟ نعم هذه الحالة موجودة بالفعل.