وقع علي بن غذاهم في شهر فيفري 1866 بين أيدي عسكر الباي ورجاله وهو يظن أن الأمر لن يتجاوز التسليم والاعتراف بالهزيمة وطلب الصفح من الباي. لكن المليشيا التي تعهدت بإيقافه طافت به من مكان إلى آخر لعرضه على العامة في تونس، علامة على هزيمة البدو الثائرين على أسيادهم من الأتراك والمماليك. ولاشك أن محمد الصادق باي ومصطفى خزندار كانا يفركان أيديهما فرحا بهذا الصيد الثمين الذي أخذوه غدرا، لكي يكون عرضه على العامة إعلانا على انتصارهم على الثورة. كما يروي لنا أغلب المؤرخين أن الباي قد اعتبر إيقاف علي بن غذاهم تسلية يعد لها نفسه ويحضرها مع رجاله وحريمه للتمتع برؤية القائد الذي جمع حوله أغلب قبائل البلاد التونسية وهز عرش الباي من عروشه وكاد يقصفه نهائيا. تم إعداد العدة لعرض علي بن غذاهم مقيدا في قصر باردو مثل عرض ترفيهي، واستعد الباي في أحد أكبر شرفات القصر ليرى غريمه يعرض على العامة والحريم. يروي لنا المؤرخ الفرنسي «غرانشان» كيف عرض علي بن غذاهم مقيدا معذبا بالضرب على الحريم، فأطلت عليه إحدى نساء القصر وقالت له ساخرة: «أنت الذي كنت تريد أن تصبح سيدنا ؟» ولم يكن علي بن غذاهم من ذلك النوع من الرجال الذي تخضعه مثل تلك الإهانات، وهو الذي خبر الحروب ورأى الموت وعرف معادن الرجال ومعنى البطولة، نظر إليها بثقة وقال لها إنها لو جاءته ورأته أيام كان في البوادي أثناء القتال لكان لها رأي آخر فيه. يروي المؤرخ الفرنسي أيضا كيف أن علي بن غذاهم توجه إلى الناس وقال بصوت واثق إنهم قد أخذوه بلا مجد، لأنه جاء إلى تونس من تلقاء نفسه، ولم ينتصروا عليه ولم يغلبه أحد في حرب. لم يفقد شيئا من كبريائه البدوي التاريخي حتى وهو في ذلك المشهد. تعرض علي بن غذاهم إلى تعذيب كثير في قصر باردو غير بعيد من الباي الذي كان يتابع ذلك بنفسه مستمتعا بعذاب زعيم الثورة، بعد أن استقر له الأمر وانتهت الثورة وانطلق رجاله في البلاد يعيثون فيها فسادا ونهبا وقتلا للانتقام من الجميع خصوصا من القبائل في كل جهات البلاد. ولا نجد في كتب التاريخ أي شيء عن نتائج ذلك التعذيب، ومن الواضح أن الباي وجماعته كانوا يعذبونه لأجل متعة التعذيب وليس لإجباره على طلب العفو أو أي شيء يليق بزعيم تاريخي أو خصم سياسي. وبعد أيام مضنية من العذاب، أمروا بنقله إلى سجن حلق الوادي الرهيب المسمى الكراكة، وكان رمزا من رموز العذاب والموت البطيء في تونس في عهد البايات. لا شك أنه قد بلغ مرحلة متقدمة من المرض والانهيار الصحي بالنظر إلى ظروف السجن والتعذيب في الكراكة التي كانت تفوق الخيال خصوصا تحت إشراف مصطفى خزندار ومليشياته، قبل أن يموت في ظروف غامضة يوم العاشر من أكتوبر 1867، وقد وردت عدة روايات حول أسباب موته ومن أكثرها شيوعا هي تعرضه للتسميم على أيدي رجال مصطفى خزندار، لكن من المؤكد أن بقاءه في ذلك السجن ذي السمعة السيئة كان سيؤدي به إلى الموت العاجل نتيجة التعذيب الذي تعرض له منذ أن تم إيقافه. لقد مات علي بن غذاهم الرجل، عن سن تناهز 53 عاما، فقد ولد في سبيطلة عام 1814، مات الشخص وبقي علي بن غذاهم الرمز، رمز الرجل الذي قاد ثورة البدو وسكان الداخل على ظلم الحكام بدءا بالباي الغارق في الفساد وصولا إلى وزرائه الذين حولوا الحكم إلى وسيلة للنهب المنظم واستعباد الناس، فماذا حدث بعد وفاة علي بن غذاهم ؟