لدينا عدة شواهد من التاريخ تؤكد أن علي بن غذاهم استمر في الحرب والنضال ضد الباي ونظام الحكم، ورغم أنه لم يربح معركة تبسة، فقد لجأ إلى التراب الجزائري المحتل من فرنسا تحت حماية قبائل متحالفة مع ماجر وفرت لهم الأمن. وهناك في الجزائر، فرض الجنرال الفرنسي «دي ماك ماهون» الإقامة الجبرية على بن غذاهم وأخيه عبد النبي مع عائلتهما بمدينة قسنطينة ثم في قبيلة أولاد عبد النور التي لبثوا فيها حتى 1866. قبل ذلك، شهدت البلاد التونسية إطلاق القوات التي نجح مصطفى خزندار في تجنيدها بالمال وببعض القبائل الطامعة في الأعطيات وجعلت تلك القوات تبث الرعب والقتل في عدة جهات. ورغم إعلان العفو العام ورغم أن العشرات من القبائل قد أعلنت خضوعها للباي، فإن الجنرال التركي رستم كان يطوف البلاد يبث الرعب والانتقام الجماعي في الشمال الغربي. كان يعدم كل من تحيط به شبهة ويصادر أملاك كل من يقول عنه الوشاة إنه كان مع الثوار. وفي الساحل، عاث الجنرال زروق فسادا وقتلا في الناس وممتلكاتهم، وفرض عليهم غرامات فادحة واقتاد العشرات من الرجال الأشراف في السلاسل يجرهم معه كلما دخل قرية أو مدينة لإرهاب من يراهم. وفي تلك الفترة أيضا، تعرض الثائر الرياحي الشهير «فرج ابن دحر» للخديعة فغدر به أحد شيوخ الزوايا وسلمه إلى عسكر الباي، فنكلوا به شماتة في كل من ثار على السلطة وضربوه مرارا أمام الناس ومروا به مقيدا أمام شرفات قصور الباي تشمت به حريم الباي والمقربون منه، ثم رموا به في السجن وهو بين الحياة والموت لمزيد التنكيل به. غير أن ما اقترفه الجنرال زروق في الساحل كان أشد فظاعة مما يمكن تصوره حتى أن مبعوثا فرنسيا كتب من مدينة المنستير تقريرا عن الوضع إلى حكومة بلاده يضعنا أمام صورة نادرة للفظاعة والتعسف والظلم، إذ جاء في تقريره: «إن واجبي يفرض علي أن أحيطكم علما بالغطرسة المنافية لكل مبادئ الإنسانية التي يستعملها الجنرال زروق في تطبيق الأوامر الصادرة له من الباي، فهو يعمد إلى تجريد الأهالي مما يملكون والتنكيل بالشيوخ والعجز وبالنساء اللائي لم يشاركن في الثورة أصلا ويغتصب منهم الخطايا التي يفرضها عليهم بعد أن يدخلهم غيابات السجون ويضع أرجلهم في الأغلال ويرهق أجسادهم بضرب العصي (...) يجدر بي أن أشير لمصادرة المكاسب والتعذيب حتى الموت أو السقوط البدني وانتهاك حرمات المنازل وأخيرا الاعتداء على عفاف النساء بمرأى ومسمع من آبائهن أو أزواجهن المصفدين في الأغلال». وبعد أن زرع الرعب والخراب في قرى الساحل، دخل الجنرال زروق سوسة يجر وراءه أشراف الجهة ونكل بالناس واقترف جرائم فظيعة لا مبرر لها سوى الانتقام من ثورة الشعب، كما عمد جيشه إلى استخلاص أضعاف ما هو مقرر من الضرائب على الناس. وفي غرب البلاد، لم يكن الوضع أقل سوءا، فقد بث الجنرال رستم الخراب والرعب والنهب باسم الباي حيثما حل، ونكل بالناس وأعدم مئات الرجال، أما علي بن غذاهم، فقد عاد لجمع الجموع محاولا توحيد كلمة القبائل مرة أخرى استعدادا لجولة جديدة من الثورة، وهو ما لم يتحقق، خصوصا بعد أن خسرت القبائل وحدتها وتحالفها ضد الباي وبعد أن وضعت السلاح وجرد جيش الباي من لم يضع سلاحه عنوه. يجب أن نذكر أيضا أن فرنسا التي طالما اتصلت سرا وحتى جهرا بالثوار قد جعلت تفاوض الباي وتطالبه ببعض التنازلات لفائدتها مقابل تخفيف مساندتها للثورة، وربما تسليم علي بن غذاهم رمز تلك الثورة مثلا.