ذهب ومجوهرات وحلي وواجهات بلورية مثقلة بالأحجار الكريمة والنفائس من الذهب الخالص تغري النساء وتأسرهن وتحبس أنفاس من يعشقن ارتداء الذهب والتمتع به . إنه سوق الذهب بالمدينة العتيقة أو سوق البركة كما هو متعارف عليه . هذا السوق كغيره من الأسواق الموجودة بمدينة تونس العتيقة عرف بعض التحولات عبر العصور . وبالعودة إلى كتب التاريخ التي ترصد أهم التحولات التي عرفتها المدينة العتيقة والأسواق التقليدية بالمدينة وبالتحديد إلى كتاب «المؤنس» لابن أبي دينار تبين أن سوق البركة كان سوقا للعبيد وكان يعرف بسوق النخاسة بالعاصمة التونسية. وقد أقيم في العهد العثماني من قبل يوسف داي عام 1612 وقد حافظ هذا السوق على نشاطه الأصلي وهو تجارة العبيد إلى أن ألغى أحمد باشا باي الرق عام 1846. فتحول إلى سوق لتجارة الذهب والمجوهرات . وبالعودة إلى المعجم اللغوي والحضاري تبين أن البركة في اللغة بالكسر اسم لجماعة الإبل الباركة وقد كانت الإبل الحاملة للعبيد تأتي بهم فتبرك . ولذلك سمي بسوق البركة نسبة إلى وصف الجمال التي تبرك في السوق لينزل من فوق ظهورها العبيد ويتم بيعهم والمتاجرة بهم . ومنذ ذلك التاريخ أي منذ 1846 ميلادي تحول سوق البركة إلى سوق تباع به سائر المجوهرات من الأحجار الثمينة والساعات والسلاسل الذهبية والخواتم والحلي والأقراط وغير ذلك ولسوق البركة قانون وأمين خاص به ينظم عملية البيع والتجارة . ركود والزائر لسوق البركة هذه الأيام يلاحظ حالة من الركود ويسمع تشكي تجار الذهب من الكساد الذي دفع بعدد منهم إلى إغلاق محلاتهم . فأسعار الذهب عرفت منذ فترة ارتفاعا كبيرا لا قدرة للمواطن التونسي على مجابهته ومسايرته لذلك أصبح سوق البركة سوقا شبه مقفر ولا يزوره إلا عددا قليلا من الزبائن. وقد أكد لنا احد التجار أن المواطن التونسي أصبح عازفا عن شراء الذهب وان الفتيات المقبلات على الزواج أصبحن يفضلن الاقتصار على خاتم زواج وقلادة وقرطين للضغط على المصاريف وعدم القدرة على شراء « صياغة» كما كان معهودا قبل سنوات. ويضيف تعرف المرأة التونسية بعشقها للذهب والحلي لكن الأسعار الملتهبة جعلتها تتخلى عن عشقها التليد للحلي والذهب . ويشهد سوق البركة هذه الأيام حركية خاصة ببيع الذهب والتفريط فيه من قبل المواطنين وربما يكون الارتفاع المشط للأسعار وكثرة المصاريف خاصة خلال شهر رمضان الدافع الأساسي وراء هذه الحركة العكسية لسوق البركة ( ركود في شراء الذهب ونشاط في بيعه والتفريط فيه ) هذا ما أكده لنا بعض التجار الذين وجدناهم في حالة انتظار لحريف قد يأتي وقد لا يأتي . وأفادوا أن تزامن شهر رمضان مع موسم ذروة الأعراس في تونس ساهم بقدر كبير في ازدياد حالة الركود التي يعاني منها سوق البركة منذ مدة غير وجيزة .