ما هي قراءته للواقع الحالي وما هي تصوراته من منطلقات فكرية وفلسفية وسياسية لآفاق ثورة 14 جانفي. أبو يعرب المرزوقي أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية والباحث يتحدث. انتهى أبويعرب المرزوقي في محاضرة ألقاها في منتدى مؤسسة التميمي بعنوان «شروط نجاح الثورة السلمية» الى أنه يمكن تجنب الحرب الاهلية بخوض حرب أهلية باردة بين الفرقاء في زمن الثورة. وتساءل المرزوقي عن الحلول الممكنة للتخلص من ما أسماه انتهاء الثورات الى نشوب حرب أهلية «القضاء والقدر التاريخي لجميعها». واستعان المرزوقي بمقاربات ابن خلدون في فهم الصراع، مستنتجا ان «المفاوضات والحوار» هو الحل لتجنب الاقتتال، فالطلاق والقطيعة في السياسة غير موجود وانما هي مجال الاجتهاد... فجميع الخصوم السياسيين على حق يخطئون ويصيبون. فحكم السياسة هو حكم الاجتهاد وكل المجتهدين السياسيين على حق حسب ما يرى ذلك ابن خلدون. واعتبر المرزوقي أن الحل لتجنب الصراع في واقع الثورات العربية ومنها التونسية، هو المرور من التداول الحربي على السلطة الى التداول السلمي على السلطة. «الثورة والثورة المضادة» وفي تطرقه لواقع الثورة في تونس وفي الثورات العربية، اعتبر المرزوقي أن الصراع يشق قوتين هما الثوار وقوى الثورة المضادة. وواصل أبويعرب استناده الى مقاربات ابن خلدون ليستعرض مقولته التي تؤكد أنه لا يمكن لثورة ان تنجح اذا ما استندت الى قيم روحية لا غير وانما يجب ان توجد «العصبة». و«العصبة» في آثار ابن خلدون لا يمكن اختزالها في الانتماء الى القبيلة او الرابط الدموي فقط وانما الانتماء الى الانسانية هو نوع من العصبة كما ذهب الى ذلك أبويعرب. وهنا أكد المرزوقي أن بن علي استند في حكمه الى عصبة اعتقدت في المصلحة والمنفعة وفي زمن الثورة «يجب تكوين عصبة تنتصر لقيم الثورة» وقال «كل من يعبّر عن استعداده لإنجاح الثورة هو من الثورة بغض النظر عن موقعه السابق وأين كان باستثناء من كانت في يدهم سلطة التعذيب والتزييف. ثم استنتج أن المعادلة اليوم هي وجود صنفين: أولهما من يتملص من الطاغية وثانيهما من يريد الاستمرارية في سياسة الطاغية، مفسرا ذلك ب«هناك عدد هام من الذين لا يريدون التصالح مع الثورة فقد خسروا الكثير بعدها». الديمقراطية ورجوعا الى ما توصل اليه المرزوقي الى ان «الحكم على الفعل السياسي ليس حكما معرفيا» استنادا الى مقولات ابن خلدون. أفاد المحاضر بقوله «اذا اتفقنا ان السياسة هي الاجتهاد، فبالامكان الخروج من الحاجة الى الاقتتال الى مجال التجريب». وأضاف ان الديمقراطية لها شرطان : أولا ان تكون السياسة مجال النسبية لا الحقيقة المطلقة وان يكون الاختيار السياسي شرعيا الا اذا اتفقت عليه الأغلبية. وأفاد المرزوقي أن كل ما حدث منذ القصبة 2 الى اليوم «خطأ أضر بالثورة»، وقال «قبلنا بمدة ال 60 يوما للمحافظة على الدولة، بمن يحكمها، ولكن لم يكن من المعقول بعد الغاء الدستور أن يبقى فؤاد المبزع الذي اشتغل على رأس مجلس النواب الصوري في ثلاث ولايات في عهد النظام السابق على رأس الدولة». واعتبر أبو يعرب المرزوقي أن الحل كان في التوصل الى تكوين حكومة وحدة وطنية »إذا ما توفرت الارادة لتجنب حرب أهلية». وتوصل الى أن الحل كان يكمن في تكوين 4 أحزاب كبيرة تجلس وتتفاوض: حزب يساري وآخر اسلامي وقومي وبورقيبي. واستنتج أبو يعرب المرزوقي من ناحية أخرى أن الدولة بما تملكه من صفة العنف (الحكم العنيف) يجب أن ترتقي الى البعد الانساني وتصبح سلطة تربوية، وقال «إذا أردنا لهذه الثورة أن تبقى سلمية يجب علاج الحكم حتى لا يستمر في يد سلطة عنيفة». تهديدات وتطرق المرزوقي في محاضرته الى واقع الثورة في تونس مؤكدا انها تعيش تهديدات ومحاولات اجهاض. واعتبر أن «الجرائم التي حوكم من أجل ارتكابها افراد عائلة بن علي هي نوع من السخرية من عقول التونسيين»، وأضاف «كان من الأجدر توجيه تهم سرقة العملة والتهريب». وانتقد المرزوقي بشدة عمل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وتركيبتها وقال «كل ما انتجته الهدف منه بث الفتنة بين التونسيين، فهي لا تمثل سوى عدد من الشخصيات التي كانت مقربة من النظام السابق». الحلول اعتبر المرزوقي أن الحل هو تسيير المرحلة الانتقالية «بمجلس رئاسي يجمع ممثلي اليسار والقوميين والاسلاميين والبورقيبيين الذين اقتربوا من النظام السابق ولكنهم انتصروا الى الثورة وذلك حتى لا تؤول الثورة الى حرب أهلية». وأكّد أن النظام الانتخابي المعتمد الآن لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون أغلبية تبعث حكومة أي جهة قوية لها الغلبة وتجمع التونسيين وتوحدهم وذلك لغرض تشتيت القوى والعمل على تواصل التنازع. وشدد من ناحية اخرى على أن الثوار لا يمكن ان يقبلوا بمجموعة أشخاص كانوا مقربين من نظام الرئيس المخلوع، وأكّد أن الثورة المضادة أيضا مضطربة. وقال «يجب على ممثلي الثورة وأيضا ممثلي الثورة المضادة ان يجلسوا على طاولة الحوار وأن يكاشفوا بعضهم بالحقيقة». وذلك استنادا الى مقاربة أكدت على تاريخية الصراع وتواصله ولكن امكانية تجنب الاقتتال فيه. ولاحظ من جهة أخرى أن اصلاح الحكم والتربية والاصلاح الاقتصادي والاجتماعي هي الكفيلة وحدها للمحافظة على السلم الاجتماعي، مؤكدا أن «محاولات طمس مقومات هوية الأمة وتاريخها لن تنجح، ومن يحلم بتونس خارج القيم التي تأسست قبل 14 قرنا هو واهم». وتأتي محاضرة أبو يعرب المرزوقي الذي استقال من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بعد أن عين عضوان بها، متزامنا مع الحديث الذي شاع في المدة الاخيرة على بروز «الثورة المضادة» التي تهدد ثورة الحرية والكرامة، وتخوف العديدين من امكانية بروز مواجهات بين الطرفين قد لا يحمد عقباها.