مدينة حي الخضراء بتونس العاصمة اسم على مسمى، حباها الله بجمال طبيعي خلاب اضافة الى موقعها الجغرافي المتميز بحكم توسطها لولايتين متجاورتين هما تونس وأريانة. زائر هذه المدينة ينبهر باتساع شوارعها واتساق بناياتها حتى أضحى ذلك ضربا من ضروب الجمال ومظهرا من مظاهر التحضر والتمدّن. لكن بمجرّد القيام بجولة صغيرة داخل أزقتها وأحيائها وأنهجها تحصل المفارقة خصوصا لما يتزامن ذلك مع شهر الصيام وشهر التطهّر، فما ترمقه العين غير الفضلات الملقاة في كل مكان في مشهد يذكّر ب «سقط اللوى» تلك الديار التي هجرتها ليلى قيس وتركتها خاوية على عروشها. هذا المشهد ينطبق على حي الطابونة التابع لمعتمدية حي الخضراء بتونس حين اجتاحت منازله الاوساخ وحوّلت حياة سكان الحي الى جحيم، بل ربّما تحولت تلك المناطق الخضراء الجميلة الى ملاذ للكلاب السائبة والحشرات السامة بعد أن كانت فضاء يشدّ الناظرين. سكان الحي والبلدية سكان حي الطابونة يتوجسون خيفة مما آل إليه الحي فطالبوا مرارا وتكرارا مصلحة التنظيف والدائرة البلدية قصد ايجاد حل لطوفان الاوساخ والفضلات الذي غزا شيئا فشيئا الديار حتى نغّص عيش المتساكنين وحرم الصغار والكبار من أن ينعموا باخضرار المدينة ويستظلوا بظل شجيراتها، لكن بلدية المكان آلت على نفسها ألا تحرك ساكنا فازدادت الحالة سوءا يوما بعد يوم وبقيت الفضلات مكدسة أياما بكل الشوارع والساحات حتى أصبح السكان عاجزين حتى عن فتح شبابيك منازلهم صيفا خوفا من أن تتسلل الروائح الكريهة والدخان الخانق المنبثق من الفضلات إليهم بالاضافة الى جحافل الناموس. ... حتى المصحة لم تسلم والمتأمل في ما أضحى عليه حي الطابونة تلفت انتباهه مفارقات عجيبة، فبالاضافة الى أن هذا الحي يعاني من «اليُبس» رغم وجوده بمدينة خضراء ها هي مصحة المكان تكون أيضا عرضة لمخلفات الاوساخ. فرغم أنها مقصد للمرضى سواء من سكان الحي أو من المناطق المجاورة قد مسّها الضرّ واجتاحتها الفضلات من كل حدب وصوب بدل ان تكون في محيط آمن نقي يساعد المريض على مكابدة آلامه وتجاوز علاته. ولعل هذا المشهد قد يحفّز الهمم في نفوس مصالح التنظيف والدوائر البلدية حتى تعجّل بايجاد حل يريح سكان منطقة حي الطابونة وزوارها من هذه المظاهر التي أضحت الشغل الشاغل للمتساكنين خصوصا في شهر رمضان الذي تكثر فيه عادة بقايا الاكل والأوساخ. كما أن هذا المشهد أيضا قد يدفع بالمواطنين الى تحمّل بعض من المسؤولية في محاولة لتكاتف جهود مختلف السكان نحو مساعدة أعوان النظافة وتقديم يد العون لهم من أجل الحفاظ على جمال مدينة حي الخضراء وراحة ساكينها وبالتالي صحّة أطفالها وشبابها وشيوخها.