عاد الشيخ عبد العزيز الثعالبي من هجرته إلى الشرق عام 1914 بما يعتبره الكثير من المؤرخين أهم وأبرز كتاباته وهو كتاب «تونس الشّهيدة» الذي سوف يكون له دور بارز في بلورة الفكر الوطني والمطالب التونسية في استعادة استقلال البلاد والمحافظة على هويتها. إن الزعيم الحبيب بورقيبة يفرد لهذا الكتاب فصولا كثيرة في ما خلفه لنا سواء كان في خطبه الشفوية أو المكتوبة أثناء معركة التحرير ثم بناء الدولة، ومما يلح بورقيبة على روايته هو أنه كان يقرأ كتاب الثعالبي سرا تحت الفراش في الليل لأن السلط الاستعمارية اعتبرت هذا الكتاب خطرا حقيقيا على نظامها في تونس وجرمت طبعه ونشره وقراءته. ومن المؤكد أن الحركة الوطنية في تونس لم تتوقف بهجرة الثعالبي أو نفي أو سجن بعض القادة الوطنيين إثر أحداث الزلاج، فقد استمرت من خلال العمل السياسي في المدارس الشهيرة بنشاطها مثل الصادقية والخلدونية والزيتونة، بالتوازي مع تبني عدة شخصيات وطنية للعمل السياسي في المدن الكبرى وعدة جهات من البلاد. غير أن دول حوض المتوسط وأوروبا كلها قد خيمت عليها أجواء مشاعر الحرب العالمية الأولى، ونجحت فرنسا في تجنيد عشرات الآلاف من التونسيين للحرب معها ضد ألمانيا ومن تحالف معها وكذلك للقتال في أقاصي المستعمرات الفرنسية الآسيوية، وهو ما فعلته فرنسا في تونس حين جلبت فرقا من جيوش إفريقية لمواجهة محاولات التمرد في تونس. لكن الحركة الوطنية التونسية بدت مشلولة منذ عودة الثعالبي على المستوى الدولي بسبب الانشغال العالمي بتحالفات الحرب وتقسيم العالم من جديد. أما محليا، فقد أحدث كتاب «تونس الشهيدة» للشيخ الثعالبي رغم انتشار الأمية في تونس وقتها أثرا كبيرا في الشعب التونسي وخصوصا النخب المثقفة والواعية وسوف يكون محتوى الكتاب أحد أهم المصادر القانونية والفكرية لبعث النواة الأولى لتأسيس الحزب الدستوري التونسي أثناء الحرب العالمية الأولى، وهو الحزب الذي سيكون له رسميا شرف تحرير تونس من الاستعمار، ثم شرف تكوين دولة الاستقلال رغم تحوير اسمه مرتين. ولقد كان للشيخ الثعالبي دور شخصي كبير في تكوين الحزب الدستوري، معتمدا على بعض مناضلي الزيتونة وشيوخ العلم والتعليم ثم مثقفي المدارس الحديثة لكن مع ميل واضح إلى التعويل على الزيتونيين.