نجد في حياة عبد العزيز الثعالبي الكثير من الرحلات خارج تونس، وأغلبها متقارب في الزمن نحو مصر خصوصا وتركيا العثمانية مرورا بليبيا وبعض الدول العربية حتى أن المؤرخين يجدون صعوبة بالغة في ترتيبها زمنيا، وكان الثعالبي في بعض هذه الرحلات منفيا بقرار من الاستعمار الفرنسي، لكنه كان في أغب الحالات يسافر بإرادته للتعريف بالقضية التونسية وفضح المخططات الاستعمارية الخطيرة التي تهدف إلى «فرنسة الشعب التونسي» والقضاء على هويته العربية الإسلامية وإدماجه تماما في الهوية الفرنسية. وقد تعرض مرارا إلى المنع من السفر من تونس مما اضطره إلى المغادرة سرا مثل رحلته إلى الآستانة في تركيا، حيث اضطر إلى الخروج خفية نحو ليبيا بنغازي ثم اليونان وبلغاريا عام 1898 حتى بلغ تركيا حيث تقابل مع بعض قادة الرأي والسياسية للتباحث فيما يحدث في تونس وشمال إفريقيا من محاولات طمس الهوية العربية الإسلامية لأن تركيا كانت ما تزال تمثل رمز «الخلافة الإسلامية» وإن كان بشكل معنوي. ومن هناك رحل الثعالبي إلى مصر حيث طور علاقته مع علماء الأزهر الشريف والتقى علماء من عدة دول وجهات وتباحث معهم في خصوص ما يحدث في العالمين العربي والإسلامي. كما طالب قادة الرأي والحكم في مصر بفتح أبواب المدرسة الحربية العثمانية في القاهرة أمام الطلاب التونسيين من أجل تكوين ضباط تونسيين استعدادا لقيادة المواجهة ضد الاستعمار. يجب أن نتذكر أن الثعالبي قام بكل هذه الرحلات والأفكار والمشاريع التحررية وهو ما يزال في العقد الثالث من العمر، فقد كان يتقد حيوية وكان يتميز بعقل راجح وشخصية قيادية فذة وقدرة كبيرة على الإقناع. قال عنه فيما بعد الشاعر العراقي الشهير معروف الرصافي إنه «أعظم خطيب عربي عرفه هذا القرن»، وبعد ربع قرن من ذلك، كتب عنه محمود أبو الفتح في جريدة السياسة المصرية في 16/5/1926: «إن مكانته في تونس هي مكانة سعد زغلول في مصر، وإنني لا أنسى الثعالبي في باريس عام 1919 في عاصمة فرنسا يثير الأرض والسماء على فرنسا في تحرير تونس ، يثير أحرار الفرنسيين على سياسة الاستعباد». لقد بدأ عبد العزيز الثعالبي يثير الأرض فوق رؤوس الفرنسيين في تونس وخارجها منذ بداية القرن العشرين، وعاد من مصر مسلحا بعزيمة أكبر في تحريك سواكن الشعب التونسي وجمع كلمة المفكرين والمثقفين حول مشروع واضح للتحرير والدفاع عن الأرض والهوية. عاد الثعالبي إلى تونس عام 1902، وأعاد ربط علاقاته بمثقفي البلاد ومناضليها لبدء مرحلة جديدة من النضال ضد الاستعمار.