بقلم الأستاذ عماد بن حليمة (المحامي) أثار قرار الافراج عن الوزيرين السابقين للعدل والنقل في نظام الفساد البشير التكاري وعبد الرحيم الزواري من قبل دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس حفيظة بعض المناضلين الصادقين في مجال استقلالية القضاء الى جانب البعض من ثوار ما بعد 14 جانفي 2011 وصبّوا جام غضبهم على السلطة القضائية مشدّدين على أن الوضع لم يتغير وأن القضاء لم يتحرر ولا يزال مغلول الأيدي معتبرين أن الافراج عن المتهمين المذكورين هو معيار لتبعية القضاء لمن يحرّكون خيوط اللعبة السياسية. ذكّرني هذا الانفعال بردود الفعل التي لاقاها كتاب المفكر التونسي الطاهر الحداد «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» فمنهم من كتب تعليقا على ذلك الكتاب مقالا اختار له عنوان «الحداد على امرأة الحداد» وآخر كتب قائلا «هذا على الحساب الى ان يُقرأ الكتاب» وذهب الامر الى حد المطالبة بإقامة الحد عليه من خلال مقال عنونه صاحبه «سيف الحق على من لا يعرف الحق». إني أسوق هذا المثال لأؤكد على ما لمسته من رد فعل سطحي وتغليب نزعة الثأر على حكمة العقل على خلفية صدور قراري الإفراج المذكورين ولعلي أتساءل عما إن كان الغاضبون على دراية بمحتوى ملفي القضيتين حتى يصدروا حكما متبصّرا ويكشفوا موطن الخطإ هل كان في قرار الايقاف أم في قرار الافراج؟ إني لست من دعاة المصالحة دون المرور بمرحلة المحاسبة لكني أرى أن المحاكمة يجب ان تبنى على أفعال واضحة ترتقي الى درجة التجريم الوارد بالمنظومة الجزائية التونسية ولا يكفي ان يكون للشخص صفة المسؤول السامي في نظام بن علي الذي تغلغل فيه الفساد حتى يزج به في السجن فذلك يعد من قبيل الثأر السياسي وليس من مقومات المحاكمة الشرعية. لن أتطرق الى موضوع القضية المتعلقة بعبد الرحيم الزواري ولن أعطي تقييما لقرار الافراج عنه حتى لا أرتكب نفس الخطإ الذي أعيبه على بعض الغاضبين بحكم عدم إلمامي بجوانب القضية الا أنني أسمح لنفسي بالقول ان البشير التكاري وبالرغم من مساهمته في محاولة الاجهاز على قطاعي القضاء والمحاماة في عهد الفساد وإبدائه عداءً لجناحي العدالة من باب الولاء والطاعة لسيده الرئيس المتخلي عن منصبه فإنه لا يستحق الإيقاف في القضية التي كان موقوفا فيها وهي من صنع خيال لجنة الفساد والرشوة بل أكثر من ذلك فإن ايقافه في تلك القضية هو تبييض وتلميع لوجهه المكفهر وإني أنزّه من أصدر في شأنه بطاقة ايقاع عن هذه المحسوبية الا أنني أرى أن الاجتهاد الذي ذهب اليه السيد قاضي التحقيق يخدم البشير التكاري بصورة غير مباشرة ويظهره في موقع المظلوم الموقوف في قضية جوفاء وهو ما عساه يوحي بعدم ارتكابه لأي إثم جنائي طيلة نشاطه في المستنقع السياسي في عهد الفساد. وعليه فإن وزير العدل السابق المذكور يدين بما لا يقدّر بمال لخصومه الذين صبّوا جام غضبهم على قرار الافراج عنه فهم بمطالبتهم بإبقائه موقوفا في قضية من نسج الخيال تسليم منهم بأن لا قضايا أخرى ضده تستحق ايقافه او انه لابد من ايقافه في كل الحالات بقطع النظر عن إتيانه خطأ جزائيا من عدمه. إن حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد تتطلب مزيدا من التعقل والرصانة لتقييم مردود أجهزة الدولة والابتعاد عن معالجة المسألة الديمقراطية بعقلية استبدادية مع ضرورة الالتزام بالحرفية من قبل أهل الاختصاص فلا يحق للمحامي ان يضرب عرض الحائط قرينة البراءة ونواميس التتبع والحاكمة في الميدان الجزائي وينزلق في ردود الفعل المبنية على الثأر السياسي كما أنه يمنع على القاضي ان ينسى أنه يمثل بعد 14 جانفي 2011 احدى السلط الثلاث في الدولة وهو مطالب بالحياد والاقلاع عن التقييم السياسي للعمل القضائي والانغماس في منطق الثأر فالكلام الذي يصدر هذه الأيام عن بعض ممثلي قطاع القضاء مخيف ومن شأنه زعزعة أركان الدولة وبث الخوف في النفوس ومن غير المقبول ان يقع نخر قطاع القضاء من الداخل لأن ذلك يؤدي به الى التآكل والضعف ولا يحق لأحد الانتصاب لمنح صكوك الاستقلالية وفق رغبات شخصية. موجز الكلام ان ردود الفعل المشار اليها أعلاه لا تبشر بخير في خصوص مستقبل محاكمات رموز أو بالأحرى بيادق النظام السابق وما على السادة القضاة المتعهدين الا تحمل مسؤولياتهم التاريخية في تثبيت مقومات استقلالية القرار في مفهومها الشمولي فالاستقلالية لا تعني فقط عدم التبعية لنظام الحكم بل تعني كذلك عدم الخضوع لضغط بعض المجموعات من الشارع السياسي واعلاء كلمة القانون على حناجر المقاولين السياسيين الجدد والمتجددين فالأحكام تصدر على المذنبين باسم الشعب لمخالفتهم المنظومة القانونية ولا تعبّر البتة عن ضمير النخب السياسية وما يحيط بهم من تجاذبات. عماد بن حليمة