إن أهمّ ما يمكن أن يُرْجَى من ثورة الكرامة هو الارتقاء بالإنسان التونسي إلى منزلة « المواطن» بكل ما تعنيه وما تدلّ عليه. ففي ذلك تحقيق لغاية الغايات من كلِّ النضالات التي خاضها الشعب التونسي بكل شرائحه عبر العصور. فلئن تواتر ذكر لفظتي «مواطن» و«مواطنون» في خطاب الساسة وعلى ألسنة أصحاب السُّلَطِات المختلفة التي تعاقَبَتْ على البلاد منذ الاستقلال فإنَّه نادرًا ما كانت تَعنِي اللفظتان لِقائلِهما ما يجبُ أن تعنياه. وما يجب أن تعنيه «المواطنة» هو الإقرار للتونسي بحقِّه في أن يمارس حرياته الفردية وفي الاشتراك في تحديد الاختيارات التي تعني حاضر تونس ومستقبلها وهو الوعي كذلك بواجباته إزاء المجموعة. والثقافة هي المدى الذي يحقِّق إِنْسانيَّة الإنسان أو كمالَه حَسَبَ المفهُوم الخلْدوني الذي يعني تجاوُزَالإنسان السَّعْيَ إلى تحقيق الضرُورِيِّ إلى صوَرٍ مِن الرُّقِيِّ في التَّعامُل مع الذات والآخر والكون. إنَّ بيْنَ المواطنة والثقافة صلاتٍ عضويَّةٌلا تَسْتَوي الواحِدَةُ منهما دونَ استواء الأُخرى. والثقافة كما المواطنةِ صيرورةٌ ومسارٌفي حاجةٍ دائمة إلى التنمية والتعَهُّدِ واليقظة المستمرة. وعلى المجتمع المدني يعود واجبُ التعهُّد والتنمية واليقظة؛ وفي هذا الإطار أسّسنا المرصدُ التونسِيُّ للثقافة والمواطنة وحدّدنا له عددا من الأهداف أَهَمُّها: الدفاع عن حرّية ممارسة الحياة الثقافية رصد التجاوزات التي تعرقل الحياة الثقافية و تُخِلُّ بحقِّ المواطنة. الدِّفاعِ عن التراث الثقافيّ والفنِّيِّ التونِسِيِّ الماديِّ واللامادي. نشر ثقافة المواطنة لاسيَّما في علاقتِها بالفكر والثقافة والفنّ. دعم المبادرات التي تخدم الثقافة بتعبيراتها الفنية المختلفة في جميع الأوساط. تنمية البحث العلمي في مختلف مجالات الثقافة والمواطنة. يسعى المرصد التونسي للثقافة والمواطنة إلى تكريس الديمقراطيةالثقافية؛ فلئن كان من الطبيعي أن يُدافع المرصدُ عن التعابير الثقافية والفنية القائمة التي تُنْجِزُها النخبةُفي البلاد وتَنْشُر نتاجاتِها، فإننا نذهب إلى أنَّه مِن الضروري، كذلك، أن تُولَى الثقافاتُ الشعبيَّةُ والتعابيرُ الفنية المُهَمّشة وطاقاتُ الشباب الإبداعيةُ العنايةَ التي تسمح لها بأن تُعرف وتَيْنَعَ ففي ذلك تكريسٌ لمبدَأَيْ الحرية والتعدديّة وهما المبدءان الضامنان لحركيَّةَ الثقافة والمواطنة وحيويَّتهما.