يتقلب الجهاز الأمني التونسي منذ ثورة 14 جانفي 2011 في دائرة خانقة من التأزم الذي بلغ ذروته حين أقدمت بعض النقابات الأمنية على محاولة عزل آمر الحرس الوطني والدخول في احتجاجات علنية ورفع شعارات خطيرة . فرفع شعار «اعتصام اعتصام حتى سقوط النظام» أصاب الكثير من المواطنين والسياسيين بالذعر لأن شعار «إسقاط النظام» لم يرفعه تونسيون مدنيون بل رفعه رجال ينتمون إلى جهاز عرف منذ الإعلان عن الجمهورية بانضباطه تسوسه «التعليمات» التي تنفذ دون نقاش لأن كل محاولة لمناقشة هذه «التعليمات» لا تعني إلا الإحالة على مجلس التأديب أو ربما العزل لكن ما الذي دفع بنقابات الأمن إلى رفع أصواتهم عاليا والدخول في مسلسل من الاحتجاجات؟هذا السؤال يحتاج إلى الوقوف على نسق الأحداث التي تواترت منذ الثورة فأكبر الاحتجاجات الشعبية التي ساهمت في هروب بن علي وإسقاط نظامه قادها الشعب يوم 14 جانفي أمام وزارة الداخلية التي تربض في شارع الحبيب بورقيبة وكانت تلك رسالة بليغة وجهها الشعب إلى بن علي ورموزه السياسيين بأن عهد الظلم قد انتهى دون رجعة. وكان الجهاز الأمني بأعوانه ومقراته أول وأكبر المستهدفين منذ انطلاق أحداث الثورة فأحرقت مئات المراكز والمناطق الأمنية ونهب ما فيها من أسلحة ووثائق لإطفاء ظمإ الغضب الشعبي الهائل الذي كاد يأتي على كل شيء لولا الهدوء النسبي الذي خيّم على البلاد منذ شهر مارس 2011. مع حلول شهر مارس بدأ الجهاز الأمني في محاولة لاسترجاع ثقة الشعب التي نسفتها الثورة وبدأ معها الحديث عن إصلاح المنظومة الأمنية وأطلقت وزارة الداخلية رسائل إلى التونسيين بأن العقيدة الأمنية ستغيير نحو الأفضل وسيكون الأمن «جمهوريا» وقد كان من الضروري الإسراع بهذا الإصلاح حتى تستوفي العدالة الانتقالية كل شروطها. ودخل رجال الأمن في مرحلة حرجة حاولوا من خلالها استعادة ثقة التونسيين في مؤسستهم الأمنية بشتى الطرق فانطلقت دورات التكوين والرسكلة وتعديل القوانين والقرارات وعزل الكثير من المسؤولين الأمنيين الذين حامت حولهم الشكوك لتورطهم مع النظام السياسي السابق وغيرت أسماء أخرى لقيادة الإدارات الأمنية في الشرطة والحرس ووحدات التدخل. إصلاح متسارعانخرطت وزارة الداخلية ومن ورائها الحكومة المؤقتة في نسق إصلاحي متسارع حيث أسندت زيادات في الأجور بمقدار 120 دينارا لكل عون وفتح باب الترقيات على مصراعيه وتحسين الوضعيات المهنية لإنصاف الآلاف من الإطارات والأعوان وأعيد أكثر من 1700 بين أعوان وإطارات من المعزولين إلى سالف عملهم وشمل قرار العودة حتى الأعوان الذين ارتكبوا جرائم مخلة بالشرف وسمح بتكوين نقابة للأمن بعد تنقيح الفصل 11 من القانون الأساسي المنظم للأسلاك الأمنية... لكن الجهاز الأمني ظل مهزوزا ومتأزما وغير مستقر على حال. بعد فترة من الهدوء النسبي التي تشكلت فيها نقابات الأمن والحرس والحماية المدنية عاد الجهاز الأمني خلال الأسبوع الماضي إلى مربع التأزم والاهتزاز حين أقدمت نقابات الحرس الوطني والحماية المدنية على الدخول في مفاوضات مع القيادة العامة للحرس لعزل مجموعة من الضباط بدعوى انتسابهم إلى ما أسموه «منظومة الفساد» وكانت تلك ذروة الصراع الحقيقي بين النقابات والقيادات الأمنية وقررت النقابتان عزل آمر الحرس الوطني على خلفية عدم انصياعه لطلبات النقابة. لكن ما خفي في ردهات هذه الأزمة التي نعتها الكثيرون بالمحاولة الانقلابية» يؤكد أن الاحتقان مرده اعتبار آمر الحرس الوطني «جسما غريبا» عن الجهاز الأمني فالرجل كان ضمن أحد جنرالات المؤسسة العسكرية رغم ما عرف عنه من انضباط وكفاءة عالية في إدارة سلك الحرس الوطني. تجاذبات الأجهزة؟وما يدعم هذا التمشي أن الجهاز الأمني لم يتناغم مع المسؤولين القادمين من المؤسسة العسكرية ولعل إقالة الجنرال أحمد شابير المدير العام السابق للأمن الوطني في شهر مارس الماضي قد تؤكد صحة الاعتقاد بأن بعض القياديين الأمنيين القادمين من المؤسسة العسكرية لم يفلحوا في التأقلم مع المؤسسة الأمنية رغم التنسيق الكامل وعلاقات التعاون بين المؤسستين في تأمين الهدوء وحماية الممتلكات الخاصة والعامة ومكافحة الشغب والتصدي لعمليات النهب والحرق التي طالت كل أنحاء البلاد تقريبا. ودون الخوض في بعض التأويلات التي يقول أصحابها إن بعض «الأيادي الخفية» تحرك النقابات الأمنية وتحرضها على العصيان والتمرد والتي تحتاج إلى إثبات فإن أحد المسؤولين الأمنيين البارزين في وزارة الداخلية اعتبر أن انتماء الكثير من الأعوان المعزولين العائدين إلى النقابات الأمنية ساهم بشكل غير مباشر في التحركات الاحتجاجية النقابية الأخيرة. غير أن ما يلفت الانتباه أن قيادات المؤسسة الأمنية تجد نفسها اليوم في وضعية حرجة فعدم قدرتهم على الخروج من نفق التجاذبات مع النقابات بالشكل المطلوب حتى يعود الهدوء إلى البلاد وتستقر أوضاع المؤسسة الأمنية يطرح أكثر من سؤال. لكن بعض المقاربات تخيلنا إلى محاولة الإجابة عن بعض هذه الأسئلة فوجود وزارة الداخلية بين خيارين اثنين أصابها بشيء من التردد في حسم المسألة الخيار الأول تلبية استغاثات المواطنين ومطالبة الشعب باستقرار أمني والايفاء بتعهدات استعادة الطمأنينة وضمان سلامة الانتقال إلى المرحلة السياسية المقبلة بأقل الأضرار والخيار الثاني قد يكون أصعب من الأول وهو إرضاء النقابات الأمنية وتلبية مطالبها المادية والمهنية في وقت زمني وجيز وإجراء تعديل جذري على القانون عدد 4 الصادر سنة 1969 المتعلق بالتدرج في استخدام القوة لحماية أعوان الأمن من المحاسبة القضائية لهم جراء استخدامهم للرصاص لتفريق المظاهرات الاحتجاجية وهو مطلب رئيسي رفعه الأعوان منذ شهر فيفري 2011 وتبنته النقابات التي اعترضت على إحالة عشرات الأمنيين أمام القضاء العسكري بتهمة قتل الشهداء. الواضح من خلال المؤشرات الراهنة أن الحكومة مطالبة أكثر من ذي قبل بتوخي إصلاح حقيقي لجهاز الأمن التونسي واتخاذ قرارات شجاعة لتشخيص مكامن الدّاء المستفحل داخل المؤسسة الأمنية انطلاقا من أن الأمن ضرورة قصوى لتأمين الانتقال الديمقراطي والواجب تحييده عن كل حسابات أو صراعات سياسية حتى يكون أمنا جمهوريا أمنا مختلفا عن أمن بن علي المسيّس إلى حدّ النخاع. 16 قرارا لتحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية لأعوان قوات الأمن الداخلي أقدمت وزارة الداخلية ومن ورائها الحكومة المؤقّتة منذ الثورة على اتخاذ قرارات عديدة لتحسين الاوضاع المهنية والاجتماعية لأعوان قوات الأمن الداخلي استجابة للمطالب المرفوعة وتحقيقا للأمن والاستقرار بالبلاد، وتعلقت هذه القرارات ب: 1 محو جميع العقوبات الادارية للاعوان بدرجتيها الاولى والثانية (شرطة، حرس وطني وحماية مدنية). 2 إرجاع الأعوان الموقوفين الى سالف عملهم. 3 ارجاع الأعوان المعزولين (حوالي 3700 عون شرطة، حرس وطني وحماية مدنية) والأعوان المستقيلين (حوالي 350 من الاسلاك الثلاثة). 4 اسناد مكافأة مالية استثنائية لكافة الأعوان قدرها 120 دينارا خلال شهر فيفري 2011. 5 احداث منحة تكاليف خاصة قارة بالمرتب تسمى المنحة الخصوصية الامنية تراوح مقدارها الخام بين 35 و140 دينارا حسب الاصناف والرتب. 6 الترفيع في منحة العمل الليلي لتصبح 3 دنانير لليلة الواحدة عوضا عن 200 مليم للساعة الواحدة. 7 ترقية الأعوان المتوفين (حوالي 10 أعوان) أثناء ادائهم للواجب بصفة استثنائية ومؤازرة عائلاتهم وكذلك ترقية الأعوان المصابين باصابات بليغة بصفة استثنائية. 8 ترقيات بنسبة 100 بالمائة بالنسبة للرتب الصغرى والوسطى (حوالي 6 آلاف بالنسبة للاسلاك الثلاثة). 9 الاستجابة لمطالب نقل الاعوان لأسباب اجتماعية وتقريبهم من جهات سكناهم (حوالي 9 آلاف بالنسبة للاسلاك الثلاثة). 10 تم التخفيض في معلوم كراء الشقق التابعة لديوان السكن بنسبة 20 بالمائة وسيتم العمل على توفير محلات سكنى اضافية لفائدة الاعوان. 11 اعداد قرار مشترك خلال شهر فيفري 2011 بين وزراء النقل والمالية والداخلية يتعلق بالنقل المجاني لاعوان قوات الامن الداخلي. 12 اصدار مرسوم مؤرخ في 25 ماي 2011 يتعلق بالسماح بالعمل النقابي لقوات الأمن الداخلي. 13 الشروع في مراجعة القوانين الأساسية لقوات الأمن الداخلي من حيث الهيكلية والتنظيم. 14 تسوية وضعية هيئة الرقباء وذلك بحذف رتبة رقيب من الصنف الاعلى وادماج اصحاب هذه الرتبة في رتبتي حافظ أمن أو عريف والتخفيض في سنوات الاقدمية المطلوبة للترقية الى رتبتي رقيب اول وحافظ أمن او عريف. 15 اسناد مساعدات مادية لعائلات المتوفين. 16 اسناد المصابين بطلقات نارية مساعدات مالية.