بقلم: عادل الشارني يبدو لي أن رياح التغيير التي هبّت على البلاد عقب الثورة المجيدة عرّت تضاريس سطح المجتمع التونسي وأظهرت عيوبه في مختلف المجالات وبيّنت مدى التصحّر الفكري والثقافي فيه، وأن بعضا ممّن ينخرطون في العمل السياسي حاليا وهم حديثو عهد به لا يعجبهم العجب، فرأيت أنّ كل من هبّ ودبّ في تونس الثورة صار خبيرا في كل مجالات الحياة العامة بين عشية وضحاها يسمح لنفسه أن يقيّم ويرفض ويفنّد ويصوّب ويحدّد ويحطّم ويقصي حسب أهوائه ودون معايير ومؤهلات ويحكم على الأشياء تبعا للمصلحة النفعية الضيّقة ولا يستبعد أن يضفي على مواقفه الشخصية الصّبغة الجماعية حتى يحشد الآراء الداعمة لرأيه فينطق باسم المجموعة وينصّب نفسه مدافعا عن القيم شأنه في ذلك شأن المراهق الذي يمرّ بمرحلة أزمة الأصالة. إن الثورة التي قام بها الشباب بعيدا عن أيّ تأطير أو زعامة إيديولوجية أو دينية من أجل الكرامة والديمقراطية جديرة بأن تحقّق أهدافها النهائية في القضاء على الفساد بكلّ مظاهره وتركيز حياة سياسية متطورة والحفاظ على التوازنات وتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على البون الشاسع بين جهات البلاد فذلك مشروط بالتأني والروية والهدوء بعيدا عن التشفّي والحسابات الضيّقة وليس باستغلال البعض فرصة ارتخاء القبضة الأمنية لبسط قانون الغاب أو بسيادة منطق قطع الطريق عملا بقاعدة «ليتوقف الجميع عن العمل مادمت أنا لا أعمل» أو بتفشي سوء الظن وطلب المستحيل وإذ تنطلق الفتنة برأيي من المبالغة في التشكيك وسوء الظن يحضرني نوعان من الشكّ: شكّ منهجي نصبو به الى الحقيقة وشكّ مذهبي يفضي الى دوامة الفوضى العارمة التي تأتي على الأخضر واليابس ويا خيبة المسعى. إن المشهد التونسي اليوم يتسم بالانعتاق في المواقف والآراء والتعليقات من المكبّلات والعراقيل التي سادت عقودا من الزمن والذي يزيد في تعكير صفو الأجواء العامة أصابع الادانة الموجهة لكل فرد بلا ضوابط ولا تحرّيات والاتهامات الخطيرة التي يتسم أغلبها بالتخوين والعمالة واللصوصية حتى أننا نحسبها موجّهة الى الكل فتُكال التهم الى أي مسؤول إداري لمجرّد أنه انخرط مجرّد انخراط في حزب التجمّع المنحلّ، فهذه الظاهرة وهذه الثقافة الاقصائية تنذر بالخطر لأنها ستفرّق بين الزملاء والأصدقاء والاخوة وتنشر البغضاء فيما نحن بحاجة الى المصالحة وتوحيد الصفوف فلنتّعظ من تجارب سابقة ولنكف عن التخوين وكيْل التهم والتعليقات الجوفاء وننصرف للعمل الجاد فهو الكفيل بإخراج بلادنا العزيزة من عنق الزجاجة والفلتان إذ يجري اليوم فهم خاطئ للثورة يشرّع للفوضى ويغلّب المصلحة الفردية عبر ممارسات هجينة لن تؤدّي إذ ما تواصلت إلا الى إجهاض الثورة المجيدة وإن العنصر الذي يشكّل حافزا لرفض الفلتان هو النتائج المدمّرة للتجارب التي سبقت والتي اختارت نهج الفلتان والتسيّب فلنتّق اللّه في وطننا ولنتّق فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا خاصة.