ليس من السهل إعداد ملف عن رجل في مستوى عطاء المختار حشيشة (من سنة 1955 إلى سنة 1983 بدون انقطاع)... فهذا الرجل الذي رحل عنا يوم عيد الاضحى (سبتمبر 1983 لم يكن عاديا، فقد كان متميزا، عجيبا في قدرته الخلاقة على العطاء وكأنه في عز الشباب.. فقد مثل في المسرح والسينما والإذاعة والتلفزة وهذا ليس بقليل.. فقد كتب عشرات التمثيليات الإذاعية والسيناريوهات السينمائية والبرامج الإذاعية (الإذاعة الوطنية والجهوية بصفاقس) والسكاتشات والقصائد بالفصحى والاشعار الغنائية الشعبية والدارجة... وأكثر من هذا كله فهو كان يتولى قراءة أعمال غيره ليجيزها ويدوّن عليها ملاحظاته ويدفعها إلى المكريفون. كان استثنائيا في قدراته قضى أكثر من 27 سنة بين أحضان دار الإذاعة التي عشقها حتى النخاع والتي اكتسحت مكانا واسعا في كيانه رغم ما كانت تعترض مسيرته الإذاعية (الوطنية والجهوية) من مصاعب ومشاكل مختلفة برامج المرحوم المختار حشيشة اتسمت بالواقعية الاجتماعية وبالحداثة ولعله كان يجد لذة في خدمة المستمع بأنماط لغوية متعددة يفهمها المتلقي ورغم هذا الإنتاج الغزير والمتنوع وتضحياته الكبيرة وعلاوة على تسيير لمصلحة المنوعات التي أصبحت تسجل ما يزيد عن 30 برنامجا أسبوعيا كان المرحوم المختار حشيشة يبحث دوما عن الجديد ويتفنن في إتقان أشعاره البدوية التي كان يقول عنها «الشعر البدوي هو الإنسان المعاصر ومرآته». كان المرحوم المختار حشيشة يخاطب المستمع صباحا وعشية وليلا فهو الذي يفتح أبواب الإذاعة ويغلقها كما قال الفكاهي المرحوم الهادي السملالي... انتقل إلى العاصمة وهي تزخر بالحركة الثقافية وهو مقتنع أن المكانة المرموقة لا تكون إلا للأكفاء الذي يملكون القدرة الخلاقة والحس الرهيف والمسؤولية الوطنية والاطلاع الواسع لشواغل المواطن التونسي الذي كان يعيش تحولا جذريا... وكانت الإذاعة الوطنية تقوم بدور جبار في توعية المواطن وفي صقل مواهبة المختلفة والمتعددة كتل كل الأنماط الإذاعية رغم وجود العديد من المنتجين الأكفاء الذين سبقوه في هذا الميدان الواسع ديدنه الأول هو إسعاد ضميره المتدفق وخلق حركية جديدة في الإنتاج الإذاعي... كان المرحوم المختار حشيشة من مؤسسي الإذاعة الجهوية بصفاقس جنبا إلى جنب مع المرحوم عبد العزيز عشيش... وقد أنتج المرحوم في آخر أيام حياته برنامج أخرجه عبد القادر السلامي... لكن وللأسف تنكرت هذه المحطة للدور الذي قام به المرحوم ولعلي أطلب اليوم من مسؤولي هذه المحطة الإذاعية الجهوية رد الاعتبار ولفتة كريمة تساوي نضاله وروحه الفياضة.. إذن كان من البديهي أن يتطور إنتاج المرحوم مع تتطور المجتمع التونسي وأصبح هذا الإنتاج يشكل ظاهرة عجيبة إذ تجاوزت عدد برامجه عدد أيام الأسبوع. قافلة تسير ملتقى متجدد لكل شعراء تونس كان يحيط شعراء تونس بكل العناية اللازمة. كيف ترى النهاية؟ برنامج في شكل قصة باللغة العامية أحيانا وبالعربية أحيانا أخرى تكتب بأسلوب تشويقي بدون نهاية ليترك الاختيار إلى المستمع لإتمامها حسب مفهومه وميولاته الأدبية ونظرته للأشياء. ما بين الخيمة والعين. حلقات تدور في البادية تحكي بأسلوب شعري بدوي كل أنماط الحياة البدوية التي كانت تسود في المجتمع التونسي. وين كنا وين صبحنا: مقارنة بين الماضي والحاضر بين ما كان عليه المجتمع التونسي قبل الاستقلال وما أصبح عليه من تقدم وازدهار ورقي اجتماعي هذه المقارنة كانت تكتب بأسلوب شعري لغته سهلة المنال يفهمه الخاص والعام وهي لوحات تبرز مدى تقدم المجتمع التونسي... هواة الأدب: برنامج تناقش خلاله المحاولات الأدبية للأدباء الناشئين التي كانت تزخر بها البلاد التونسية... بدأ هذا البرنامج مع الشاعر الكبير المرحوم مصطفى خريف ثم مع الشاعر الكبير (أطال الله عمره) السيد أحمد اللغماني... أنتج المرحوم كذلك (صندوق عجب) و(لكل سؤال جواب) و(المسرح الصغير) و(أمام المرآة) و(ما نخبيش عليك) و(مقامات الشيخ عليّ) و(شريكي سلومة) و(من وراء الخيال) و(ما بين المشري والبشير). ولد المرحوم المختار حشيشة يوم 10 أوت 1920 بصفاقس زاول تعليمه إلى أن تحصل على شهادة الكفاءة البيداغوجية التي خولت له التدريس بالمحرس ثم بصفاقس تعاطى قبل التدريس عدة مهن حرة منها الصياغة التي تلقاها على يد أحد المصريين المهاجرين كما تعاطى مهنة الطباعة... التحق بالإذاعة 1955 مؤسس فرقة النهضة التمثيلية بصفاقس توفي يوم السبت 17 سبتمبر 1983 يوم عيد الاضحى كتب سيناريو وحوار العديد من الأفلام التونسية «الفجر» عمار الخليفي «فردة ولقات اختها» لعلي منصور مثّل في العديد من الأفلام التونسية الفجر الفلاقة صراخ فردة ولقات أختها... شارك بالكتابة والتمثيل في العديد من الإنتاجات التلفزية التونسية وأهمها سلسلة «محكمة وبعد» للمخرج المرحوم الهادي بسباس... كتب أكثر من 200 أغنية.. لجل المطربين والمطربات... وأملي أن أجد مع مسؤولي حقوق التأليف كل التعاون لجمع هذا الإنتاج الغزير.. ابنك يوسف المختار حشيشة