تسلّمت «الشروق» عبر البريد الالكتروني رسالة من السيد محسن الكعبي كاتب عام جمعيّة إنصاف قدماء العسكريين موجهة الى وزير الدفاع الوطني احتجاجا على عدم الاستجابة لمطالب الجمعيّة. هذه الرسالة ننشرها كما هي: تونس الشروق : تحية وبعد، فأننا، كممثلي جمعية «إنصاف» قدماء العسكريين، نأسف لمخاطبتكم عبر وسائل الأعلام، بعد أكثر من ستة اشهر من الاتصالات الثنائية الحثيثة، والتي تمت في كنف الثقة والاحترام والانضباط الكلي من جانبنا، وقد أتت هذه الاتصالات ببعض النتائج ، إلا أنها كانت دون الوعود المقدمة و مخيبة للآمال من حيث المطالب الأساسية التي نصّ عليها المرسوم الرئاسي عدد1، و نعني به رد الاعتبار المادي والمعنوي و حق العودة إلى العمل. لقد حلم العسكريون، ضحايا تعسف العهد المنقرض، بأن المؤسسة العسكرية الأبية والتي ظلت لعقود حبيسة الصمت، أن تبادر تلقائيا، اثر نجاح ثورة الكرامة المباركة، إلى احتضان أبنائها الذين طالتهم يد الجور إذلالا و تنكيلا ووأدت مسيرتهم المهنية في أوجها وحطمت طموحاتهم المشروعة، وحولت حياتهم العائلية و النفسية إلى جحيم مستعر، وحرمتهم من الإسهام في خدمة وطنهم ومجتمعهم وأسرهم بالتهميش والتضييق والمطاردة مع الحرمان من الحقوق الأساسية للمواطنة كالعمل وجواز السفر والعلاج... كان ذلك في عهد يعتبر فيه الجمع بين علو الكفاءة و مثالية الأخلاق مبررا للاستئصال تحت أي ذريعة وبأي صيغة ووسيلة. ولقد كانت آمالنا كبيرة بعد الحوارات معكم كمسؤولين جدد، لعهد فتي، تغمره الشفافية و تسوسه القوانين وقد تخلى نهائيا عن خروقات وانتهاكات عهد قد ولى. بهذه العقلية الجديدة وبهذا النهج البناء تعاطينا في طرح قضايانا وما تراكم من مشاكل بغية حلها عبر مسلك تفاوضي صلحي، يكرس جو الوئام والثقة بين المؤسسة العسكرية ومنتسبيها، ويوفر على الجميع الوقت والتكاليف ويجنبهم إحراج المحاكم والتقاضي. لكن وتيرة عمل الآلة الإدارية، التي لم تواكب نسق التحولات السياسية، أحالتنا على وعود مبهمة في آفاق زمنية غير محددة. أما فيما يتعلق بإعادة الاعتبار المعنوي، عبر إجراءات رمزية بحتة، تجبر بها خواطر طالما ديست و تفتح آمالا طالما أحبطت، فقد استكثرت علينا الوزارة أدراج هذا الموضوع بالأمر اليومي لعيد الجيش بتاريخ 24 جوان المنقضي. هذا التراجع الصريح عن وعد مقطوع من طرف الوزارة، مع تلكؤ واضح في الاستجابة لمستحقات قانونية أخرى، رغم رمزيتها، أدى إلى زعزعة الثقة في وعود الوزارة و جرنا إلى توخي مثل هذا المسار. سيدي الوزير، لقد تعاملنا مع وزارتكم على أساس أن كلينا طرف واحد. إلا أن مواقفكم تنم على أننا على طرفي نقيض. لذا نتوجه إليكم عبر وسائل الأعلام بمطالبنا التي طال انتظارها من طرف العديد من العسكريين الذين يشعرون بالإحباط تجاه مؤسسة سيادية لا تتورع عن عدم تطبيق قانون واضح وجلي، أتى به المرسوم الرئاسي عدد1 و المتعلق بتفعيل العفو العام، والذي ينص صراحة على ضرورة إعادة المبعدين عن عملهم من السلك المباشر أو فتح قناة تفاوض مع كل واحد منهم حول المقترحات البديلة. أما الذين لا يحق لهم العودة إلى السلك المباشر، وفي انتظار صدور المرسوم التكميلي المتعلق بالتعويضات عما مضى، فانه من حقهم أن تصرف لهم، من الفور، جرايات تتناسب وحقوقهم التقاعدية في الرتب التي يحددها تدرجهم المهني والطبيعي حسب سلم الترقيات. سيدي الوزير، إن تعاملنا مع وزارتكم قد تم على أساس المطالبة بالاستحقاقات التي ينص عليها و يحددها القانون لكل فرد طاله التعسف والظلم. فلم نأتكم مستعطفين لبر أو مستجدين لفتاة إحسان. فلنا نفوس تأبى ذلك ولكم مسؤوليات تربو عن ذلك. لقد أسفنا أن نرى وزارة الدفاع تتنصل من تطبيق مرسوم رئاسي لا لبس فيه، بينما سارعت غيرها من الوزارات إلى امتثاله، فرفعت بذلك الغبن والإحباط عن منتسبيها رغم الدور الاّ أخلاقي والاّ قانوني الذي لعبته القيادة السابقة السياسية والعسكرية لوزارة الدفاع الوطني لما تخلت آنذاك عن مسؤولياتها تجاه أبنائها الأبرياء. إن مضمون المداخلتين التي قام بهما ممثل وزارتكم في برنامج «المشهد السياسي» بالقناة الوطنية الأولى يوم الجمعة 30 سبتمبر والخميس 6 أكتوبر 2011 يناقض كليا ما اتى به نص المرسوم الرئاسي عدد1 ، مخيبا آمال كل العسكريين وذلك بغلقه نهائيا لباب الرجوع واحالة كل التعويضات لنصوص لاحقة. ومما زاد استياءنا الفارق الشاسع والجلي بين الموقف المعلن لوزارة الدفاع الوطني ومواقف مختلف الأطراف الحقوقية والمدنية، سواء على مستوى استيعاب جوهر القضية او مدى الغيرة على رفع المظالم واحلال الوفاق الوطني والعدالة الانتقالية اللذين تحتمهما الأوضاع الراهنة بالبلاد. سيدي الوزير، إننا قصدنا عبر هذه الرسالة المفتوحة أن نشهد الرأي العام ومكونات المجتمع المدني وكل الدوائر الحكومية على المظلمة المتجددة التي يتعرض إليها العسكريون في عهد وزارتكم الموقرة، نتيجة مخالفة صريحة مجحفة لقانون صادر عن أعلى هرم للسلطة و طبقته كافة الوزارات بدون تردد. علما بان وزارة الدفاع تتحمل مسؤولية تاريخية، قانونية واخلاقية في ما لحق هؤلاء العسكريين من تعذيب وتنكيل وسلب لحقوقهم الأساسية في السابق، وحاليا، في تخلفها عن رفع هذه المظالم متجاهلة ما جد من احداث ومراسيم. سيدي الوزير، إننا نعتقد ان النجاح في التعامل مع هذا الملف رهين بأن تأذنوا لمختلف دواليب وزارتكم بالتعامل معه بالعقلية المناسبة لمتطلبات العدالة الانتقالية وبما يستلزمه من جرأة في التناول ومن تقيد بالمقاصد، اضافة الى ضبط رزنامة تربط كل مرحلة بقيد زمني. سيدي الوزير، وإذ الوضع على ما هو عليه، نؤكد عزمنا الراسخ على المطالبة بحقوقنا التي ضمنتها النصوص القانونية بكل الوسائل وبكل ما أوتينا من قوة، عبر كل القنوات المتاحة، حتى يقضي الله امرء كان مفعولا. عن الهيئة المديرة لجمعية «إنصاف» قدماء العسكريين الكاتب العام محسن الكعبي