تونس الشروق : كانت قافلة الشهداء تكبر يوما بعد يوم، وكانت تالة تشتعل أكثر فلائحة الشهادة مفتوحة والملحمة البطولية متواصلة لا نهاية لها. يوم 12 جانفي 2011، هو يوم استشهاد الشاب وجدي السائحي، وقد أصابته رصاصة قاتلة بعد قرار منع اطلاق الرصاص وإقالة رفيق الحاج قاسم وزير الداخلية الأسبق وأحد أبرز المتهمين في جرائم قتل أبناء الشعب. يقول المناضل عادل عبد الرزاق السائحي شقيق الشهيد في شهادته أمام القاضي العسكري أن أعوان البوليس أمعنوا في الإساءة للأهالي في تالة وتجاوزوا كل الحدود والمدى ونكّلوا بالمواطنين وقتلوا وجرحوا وأهانوا واقتحموا منازل وروّعوا عائلات وقال انهم ألقوا القنابل المسيلة للدموع داخل المنازل وتسببوا في اختناق الأطفال والشيوخ والنساء وهم أبرياء وبالغوا في استفزاز الناس وتعمّدوا سبهم وشتمهم ونعتهم بأبشع النعوت... رد الفعل أمام تلك الممارسات غير الانسانية وغير الاخلاقية التي كانت تصدر عن بعض أعوان النظام العام، فلقد تجمّع عدد من المواطنين الذين كان من بينهم عادل عبد الرزاق السايحي وكان ذلك يوم 12 جانفي 2011، اذ توجهوا الى المسؤولين والكوادر التابعين للجيش والحرس الوطنيين واصطحبوهم معهم لمعاينة آثار خلع العديد من المنازل والاعتداء على أصحابها وآثار اطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، لمعاينة آثار الجريمة، جريمة دولة بن علي ضد أحرار تالة. أثناء ذلك بلغ الى علمهم نبأ اقالة وزير الداخلية آنذاك رفيق الحاج قاسم وبلغهم ايضا صدور قرار منع اطلاق الرصاص الحي. شحنة هذان الخبران أعطيا شحنة للمتظاهرين وزخما عدديا هاما، فخرجوا في مظاهرة كبيرة العدد، الا ان أعوان البوليس اعترضوا سبيلهم قرب مبنى محكمة الناحية حيث تمركزوا بأعداد كبيرة. وقد شاهد عبد الرزاق أحد ضباط الامن وهو العقيد منصف العجيمي يترجل من سيارة وحدات النظام العام ثم جثم على احدى ركبتيه وسط الطريق وقام بتصويب بندقيته نحو المتظاهرين دون وجود اي مبرر لذلك، وبدأ بإطلاق النار ليصيب برصاصة الشاب وجدي السائحي، فهرع بعض المتظاهرين لنجدته وكان من بين المنقذين المناضلين الهادي المسعودي وعبد الرؤوف جلال ووحيد بولعابي... وقد تقدموا منه وسحبوه ليبعدوه عن مرمى النيران، وتم نقله بسرعة الى المستشفى المحلّي بتالة، وقد حملوه على أكتافهم وهو مصاب وكان ينزف وعبروا به عدة طرق للابتعاد عن بطش قوى القمع، وقد لحق بهم وحيد البولعابي بسيارته وتم نقله للمستشفى، هناك فحصه الطبيب فوجد الاصابة خطيرة جدا وقاتلة، لذلك أشار عليهم بنقله بأسرع ما أمكن الى المستشفى الجهوي بالكاف لتخفيف الضغط عن مستشفى القصرين الذي لم يهدأ ليلا ولا نهارا على مدى الاربع وعشرين ساعة في استقبال الجرحى والشهداء. الاستشهاد لجؤوا الى سيارة الاسعاف التي انطلقت نحو الكاف ورغم السرعة ورغم محاولات الاسعاف ورغم قوة وصمود وجدي السائحي الا ان الموت كان أقرب اذ لفظ أنفاسه الاخيرة بعد زهاء الخمسين دقيقة من النزيف، وقبل أن يصل الى مستشفى الكاف التحق وجدي بقافلة شهداء الحرية والكرام. القاتل تمسّك شقيق الشهيد بأن العقيد منصف العجيمي هو من قتل شقيقه، لأنه شاهده يقف على ركبة ثم يطلق النار نحوه وقال انه يعرفه جيدا، خاصة وأنه سبق وان فاوض الأهالي في تالة قبل ذلك التاريخ عندما اعتصموا سلميا. وقال انه بعدما شاهد جريمة ذلك العقيد اندفع نحوه جريا للانتقام منه الا أنه انسحب وتمكن من الفرار. وقد انطلق شقيق الشهيد بعدما رأى مشهد اغتيال شقيقه، مسرعا نحو العقيد القاتل غير مكترث بالرصاص وكان يمكن ان يستشهد لو لم يمنعه بعض المتظاهرين من مواصلة مطاردة قاتل أخيه. جنازة وجدي كانت جنازة مهيبة.. قدّمت تالة الشهداء وانتصرت على بن علي وعصابته وهي اليوم حرة، لكن مازالت تعاني التهميش، رغم الملحمة البطولية التي قادها أبناؤها مازال الشباب عاطلين عن العمل ومازالت مشاريع التنمية معطلة، مازالت تالة تئن من وضع الاضطهاد والقمع، ولكنها مثلما كانت سنة 1906 حرّة، فهي اليوم حرّة أيضا يتبع منجي الخضراوي