يتّجه المشهد الانتخابي التونسي، والّذي هو تاريخي بكلّ المقاييس والحسابات، إلى المزيد من التطوّرات والتي يبدو أنّها ستكون مُتسارعة خلال الأيام المتبقية من عمر الحملة الانتخابيّة . ويتّضح من خصائص التحرّكات والتظاهرات الدعائيّة أنّ المتنافسين قد مروا فعلا إلى جهدهم الأقصى بعد أن تأكّد انعقاد الانتخابات في موعدها وغياب كلّ المنغّصات الّتي سعت بعض الأطراف إلى رميها ك«كرة اللهب» وسط ميدان العراك السياسي والانتخابي في البلاد والتي كان من آخر تشكّلاتها إشاعة خبر استقالة السيّد الباجي قائد السبسي من مهامه. ومن المؤيّدات الّتي تؤكّد أنّ الأمور قد حُسمت إلى غير رجعة بداية تفكير الأحزاب الكبرى والفاعلين السياسيين المهمّين على الساحة في مرحلة ما بعد التأسيسي وما يُمكن أن يتمّ تنفيذهُ لتلك المرحلة أي فجر الرابع والعشرين من شهر أكتوبر. إذ ما من شكّ في أنّ كواليس أولئك «المتنفذين والمنغرسين في التربة السياسيّة والانتخابيّة باتوا بعلمهم الميداني وما لهم من تقديرات وإحصائيات على وشك النطق بنتائج الانتخابات قبل فرز الأصوات ومعرفة ما بصناديق الاقتراع من ورقات. راجت في رحى المعركة الانتخابيّة طيلة اليومين الفارطين العديد من التقديرات والنسب التي تهم الحصاد الانتخابي استنادا إلى ما تمّت معاينتُهُ من اجتماعات وتجمعات شعبيّة وتحرّكات وما لكلّ طرف منافس من أنصار ومناضلين، ومع ما راج من أرقام وأعداد عن نصيب أهمّ الأطراف المرتقب صعودها إلى المجلس التأسيسي انتقل السياسيّون والطامحون إلى الحكم والسلطة إلى مرحلة التباحث والتفاوض والسعي لإيجاد الترتيبات الممكنة لما بعد 23 أكتوبر، وتُخفي تلك التحرّكات أكثر من الحسابات الحزبية الضيقة ، تُخفي جانبا إيجابيّا عبر ما ينعكسُ ضرورة على سلوكات السياسيين وأجنداتهم من تخوّفات لم تغب عن الشارع التونسي من حدوث حالة فراغ أو انتكاسة لا قدّر الله في مسار الانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي يوم الانتخابات أو بعدهُ. هناك عودة من الفاعلين السياسيين إلى التواصل وربط خيوط المودّة وهناك من الأخبار ما يؤكّد أنّ أكبر الخصوم على الساحة السياسيّة منذ 14 جانفي باتوا يتبادلون الإشارات والهمزات ويبحثون عن صلة ودّ جديدة تؤسّس لتحالفات ما بعد الانتخابات مثلما يفعل ذلك السيّد أحمد نجيب الشابي الّذي أرسل مراسيل في كلّ الاتجاهات يمنة ويسرة بحثا عن «مربط فرس جديد»، وليس كلّ ما يتمّ التصريح به علنا واقع في كواليس السياسة والسياسيين والتي هي حُبلى بالتكتيكات والأجندة والمخطّطات والتي يصبّ أغلبها في خانة البحث عن أفضل السبل للتواجد السياسي بعد فرز الأصوات. إنّ اتجاه بوصلة الانتخابات إلى مدارها الصفر يُحتّم على كلّ الأطراف المزيد من التنافس الميداني النزيه والشفّاف ويحتّم على الحكومة والهيئة الانتخابية المزيد من اليقظة والحذر فتونس اليوم في مرمى أنظار كلّ العالم.