لأول مرة عاشت تونس أجواء انتخابية اتسمت بالحياد التام للإدارة بعد ان كانت هذه الأخيرة تضع كل امكانياتها على ذمة المترشحين، كما اتسمت بتنظيم محكم فاق ربّما مستوى الحملات الانتخابية في الدول المتقدمة. بمجرد اعطاء اشارة انطلاق الحملة الانتخابية وُضعت السيارات الادارية بسائقيها ووصولات بنزينها على ذمة المترشحين تجوب العاصمة طولا وعرضا للتمجيد والتهليل والتطبيل للمترشحين كما اجتهدت المؤسسات الادارية والاقتصادية العامة والخاصة في اعداد هدايا قيمة من أفلام وحاملات مفاتيح وقبعات... تحمل الشعار واللون واسم القائمة.. عدد من الموظفين والعمال وضعوا على ذمة المترشحين لمصاحبتهم أينما حلوا. هذه هي الأجواء في العاصمة وضواحيها لكن خلال تجارب انتخابية سابقة آخرها انتخابات 2009 التي أريد لها انتخابات استعراضية لقوة «التجمع» المنحل... فحملة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي للجمهورية الثانية حُيدت فيها الادارة تحييدا كاملا وعوّلت خلالها كل قائمة على امكانياتها الذاتية ورغبة أنصارها في مساندتها. للتاريخ عاشت العاصمة ولأول مرة أجواء انتخابية فاقت في تنظيمها ودقتها عديد التجارب الأوروبية... ثلاثة أسابيع هي عمر الحملة الانتخابية للمجلس الوطني التأسيسي كانت حبلى باللقاءات والاجتماعات والحوارات والاختلافات والتجاوزات. الاسبوع الأول البداية كانت باهتة بعض الشيء، المواطنون يلاحظون باستغراب واندهاش العدد المهول من اللوحات الخاصة بالمترشحين، حوالي ثمانين قائمة في تونس 1 ومثلها في بقية الدوائر مشهد لم يتكرر سابقا والجميع يتساءلون عن كيفية الاختيار وهل سيجدون أمامهم هذا العدد الهائل من القائمات كما جرت العادة؟!... دور الشباب والثقافة والقاعات الرياضية وضعت تحت تصرف المترشحين ومنها انطلقت أولى الاجتماعات الانتخابية... بعضها مكتظة بالأنصار والمواطنين العاديين وبعضها الآخر خالية الا من بعض الأصدقاء وأفراد عائلة المترشحين وبعض الاعلاميين... رؤساء القائمات بدؤوا يكتشفون فن الخطابة وكيفية شد انتباه المستمعين... في أريانة والمنزه وحي النصر وباب سويقة وباب الخضراء والقلعة وحي التضامن وحلق الوادي وسيدي بوسعيد... انطلقت فعليا الحملة الانتخابية مع نهاية الاسبوع الاول. الاسبوع الثاني في كل مكان من الدوائر الانتخابية لتونس الكبرى بدأت اللافتات والمعلقات تكتسح الشوارع وتفتك مكان المعلقات الاشهارية... حملة شرسة انطلقت على الفايسبوك صور للاجتماعات الشعبية العارمة ومقتطفات من خطابات زعماء الأحزاب... نجوم السياسة في المقاهي والشوارع يتحدثون مع المواطنين بكل تلقائية وتواضع... البعض استغل الفرصة لأخذ صورة مع الرئيس المنتظر او طرح مشاغله على الوزير المقبل. حمى المنافسة بدأت تشتد شيئا فشيئا وبدأ الهمز عن تجاوزات هذا الطرف او ذاك واستغلال بعض الفضاءات العمومية لحملته الانتخابية. الاسبوع الثاني شهد اقتراب المواطنين من المعلقات الخاصة بالبرامج الانتخابية وانطلقت الحوارات والنقاشات حول القائمة الاجدر والشخصية المناسبة لتحقيق أهداف الثورة. الاسبوع الثالث : صورة المخلوع مع بداية الاسبوع الاخير حمي وطيس الحملة الانتخابية في الشوارع عديد الشبان والشابات يمدون السواق والمارة ببيانات انتخابية وصور المترشحين... صناديق البريد في كل عمارة امتلأت بالبيانات الانتخابية... لقاءات صحفية هنا وهناك وسباق من اجل طمأنة المواطن ومده بالوصفة المناسبة لما بعد 23 أكتوبر، تحالف مع هذا الحزب او ذاك... حكومة وحدة وطنية او تصريف أعمال أو مصلحة وطنية.. رئيس الجمهورية الجديد... كلها مواضيع حلت محل البرامج الانتخابية لأن الأحزاب فهمت قلق المواطن وشعوره بالخوف. وفجأة ظهرت صورة المخلوع في حلق الوادي لتزيد في تعميق الشعور بالخوف ولو لبضع دقائق قبل ان يتشجع بعض المارة ويمزقوا الصورة ليجدوا خلفها تحذيرا من عدم أداء الواجب الانتخابي وعودة الديكتاتورية. اختتمت الحملة الانتخابية بأكثر قوة واستعراض جماهيري من بن عروس الى أريانة فالمنزه ثم خيم الصمت طيلة أمس وفسح المجال كامل اليوم للمواطن لأداء واجبه الانتخابي بصفة حرة وسرية ومباشرة.